قال له مستشاره، محاولاً تصعيد قلقه البالغ، وهو يمدُّ يده بقرص منوّم: «إنهم يجتمعون الآن في مكة ! خذ هذه، نتائجها مضمونة، ولن تتمكن من النوم الليلة بدونها». ياسين أكتاي، المذيع السابق، السياسي غير المحنك، كان يضحك في قلبه وهو يقول جملته الأخيرة، كان يود تعذيب أردوغان وإنهاكه، بل كان يتمنى موته بسكتة قلبية، كان يتأمل أن يرث «الخرابة» التي بناها أردوغان على مر السنين. أردوغان الخبيث، كان يدرك نوايا أكتاي، فأبعد قرص المنوّم بيده وقال «أنت سبب كل المشاكل، خطتك الفاشلة في موضوع خاشقجي هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، كان حلمي أن أسير إلى جانب الملك سلمان، في مثل هذه القمم، ليرى العالم ما وصلت إليه، لكن أفكارك المسمومة، وخططك الغبية، وضعتني في هذه الحالة البائسة». رد أكتاي: هل أنا الذي أشرت عليك في قمة القدس أن تكتب على تويتر «إذا لم نتمكن من حماية قبلتنا الأولى فلن نستطيع التطلع لمستقبل قبلتنا الثانية في أمان»، لا تجعلني فزّاعة أخطائك، اليوم الخميس، ما زال بإمكانك الذهاب غدا ومفاجأتهم! وقف أردوغان بغضب، نظر إلى ياسين ومد يديه كأنه يريد خنقه، ارتعب أكتاي وتراجع، قال أردوغان وهو يصرخ: أذهب إلى مكة! هل سيرضى عني السعوديون؟ كنت في نظرهم زعيما صديقا محبا، وبسبب أفكارك أصبحت مجرما منبوذا، سيصدرون اليوم بيان القمة الخليجية والعربية، الحديث كله حتما عن دول الشر، سيتحدثون عن إيران، ويلمحون لتركيا، بل يصرحون بذلك، وتريدني أن أذهب، هل أنت مجنون؟! تردد أكتاي، وراح يتلعثم وهو يقول: «لا أعتقد، سيركزون على إيران فقط، ولتغطية غيابك، قمت بتأمين لقاء لك مع الأمريكان، ليبدو أنك مشغولا في مواضيع أكثر أهمية»!؟ نظر إليه أردوغان نظرة حانقة، وأدار له ظهره واتجه نحو النافذة وهو يقول: أحمق، هل ما زالت هذه الحيلة تنطلي على الناس والزعماء والقادة؟ الوطن العربي كله يعلم أنني منبوذ، حتى حلفاؤنا، لا نضحك على أنفسنا، لابد من الخروج من هذا المأزق الذي وضعتنا فيه يا أكتاي؟! هزّ أكتاي رأسه، محاولا تغيير الموضوع، وقف واقترب من أردوغان، وهمس له «إذن علينا التحدث مع القطريين، فهم يحضرون القمة العربية والخليجية، أصدر لهم قرارا بالوقوف في وجه أي بيان يتعرض لتركيا، أو يلمّح لها، ما رأيك؟ «قطر، قطر يا أكتاي؟»، قال أردوغان، وعاد ليجلس في مكانه منهكا وهو يقول «القطريون الذين تآمرت معهم، وأحضرتهم، وأقنعتني أنهم سيدعمون كل مواقفي، ماليا ومعنويا، ويدعمون حزب العدالة والتنمية، حالهم أشد بؤسا من حالي، أصبحوا «أضحوكة» العرب، ولم ينفعنا أو تنفعهم كل تلك الأموال، قطر لا تستطيع أن تغير حرفا في بيان القمم، وإذا كانت ستفعل، فلتحاول شطب أية جملة أو تلميح عن الإرهاب، الإرهاب الذي يعني اليوم، إيران وتركيا وقطر». اقترب منه أكتاي وهو يضع يده على فمه مفكرا، ثم قال «إذن، ماذا علينا أن نفعل؟»، فغضب أردوغان وصرخ: المستشار يطلب مشورة الرئيس، هل هذا عملي أن أفكر؟ وأقدم المشورة لجنابكم أفندي؟، وقال مستهزئا: «لا أعلم كيف حصلت على شهادة الدكتوراه، عليّ تكليف أحدهم بالتقصي حول شهادتك، لا شك أنها مزيفة، مثل أفكارك وخططك الحمقاء». في تلك اللحظة، وعلى شاشة التلفاز الكبيرة في الغرفة، ظهرت صورة خادم الحرمين الشريفين، وإلى جانبه الزعماء العرب، في صورة تذكارية، فمد أردوغان يده المرتجفة إلى أكتاي وقال: «أعطني حبة المنوّم». * روائية وباحثة سياسية إماراتية [email protected]