استطاعت الحركة الصهيونية الإجرامية، وفرعها الأهم المعروف بمسمى «اللوبي الإسرائيلي» في أمريكا، ممثلا في منظمة «أيباك» (AIPAC) بصفة أساسية، إقناع أمريكا، حكومة وشعبا، بتأييد «جريمة العصر» التي تمثلت في قيام ونمو وتوسع هذا الورم السرطاني المسمى ب«إسرائيل». وتولت أمريكا -بدورها- «فرض» هذه الجريمة على العالم العربي، وبقية دول العالم، عبر: وسائل الترغيب والترهيب المعروفة، التي تتبعها لتكريس قبول العالم ب«إسرائيل» رغم أنها قامت على حساب شعب بأكمله لم يكن له أي ذنب فيما يقال إنه حصل لليهود بأوروبا. والواقع، أن قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل، يرد إلى عدة أسباب، أهمها «العوامل» الثلاثة المعروفة (مرتبة تنازليا، حسب الأهمية) وهي: الرغبة الاستعمارية الغربية في وجود هذا الكيان بفلسطين، والتخطيط الصهيوني المحكم، والضعف العربي المطبق. وجد التخطيط الصهيوني أمامه ترحيبا غربيا وأمريكيا بالغا، واستعدادا جاهزا لتبني المشروع الصهيوني بالمنطقة، بل وتحمل تكاليفه. ومع كل ذلك، فإن للنفوذ الصهيوني بأمريكا دورا رئيسا في حدوث واستتباب هذه الجريمة، وما تمخض عنها خلال العقود السبعة التالية لقيام هذا الكيان الغاصب. وقد كان (وما زال) من الممكن القبول بكيان يهودي عادي، مسالم في قلب العالم العربي لولا إصرار إسرائيل العجيب على: الاستمرار في ارتكاب المجازر والجرائم ضد الفلسطينيين، على مدار الساعة. فإسرائيل تقتل وتصيب وتعتقل وتشرد وتعذب ضحاياها يوميا. إنها بالفعل دولة إرهابية وآلة قتل وتدمير. - رفض القبول ب«متطلبات» التسوية السلمية التي تتنازل لها عن ثلاثة أرباع فلسطين، مقابل التخلي عن الربع الباقي للفلسطينيين! - سعيها المحموم للهيمنة على كل المنطقة، عبر: العمل على تمزيقها، وإضعاف كافة دولها، وإغراقها في القلاقل والمحن، الواحدة تلو الأخرى. ومعظم ما حاق بالمنطقة (من كوارث) كان مدفوعا من قبل إسرائيل، وداعميها. - تسلحها بالسلاح النووي، وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى، واستخدام قوتها العسكرية هذه لتهديد، وابتزاز، دول المنطقة. **** ولقد سخرت الصهيونية الولاياتالمتحدة لتنفيذ ودعم هذه الأفعال واستجابت حكومة أمريكا تمام الاستجابة -وبرحابة صدر- للأسباب المعروفة. وذلك أدى -بالضرورة- إلى: غضب الشعوب العربية والإسلامية من هذه الهجمة الصهيونية المسيطرة على صناعة القرار الأمريكي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط. وكذلك استياء كثير من الأمريكيين، بل ومطالبتهم بوقف هذا التأثير (السلبي) للوبي الصهيوني، على سياسات بلادهم تجاه المنطقة والعالم. ومن أبرز «الأمثلة» على ما ذكر، هو البحث (الكتاب) الذي أصدره، عام 2006م، الأستاذان الجامعيان الأمريكيان: «جون ميرشايمر»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، و«ستيفن والت»، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، بعنوان: تأثير اللوبي الإسرائيلي على سياسة أمريكا الخارجية. ورغم صدور هذا الكتاب منذ 13 عاما، إلا أن معظم ما ورد فيه ما زال صحيحا، بل تأكدت صحته أكثر. تناول هذا الكتاب الشهير أمرا كان يعتبر «محرما» التطرق له بأمريكا، وهو انتقاد إسرائيل، وكشف ألاعيبها، وتأثيرها السلبي على السياسة الخارجية الأمريكية. وأوضح الكاتبان بالأدلة والقرائن دعم أمريكا لما تقوم به إسرائيل من جرائم ضد جيرانها. وهو دعم يأتي نتيجة هيمنة اللوبي الصهيوني، وحلفائه المتصهينين والمنتفعين، على صناعة القرار الأمريكي. ويرى المؤلفان أن لا مبرر إستراتيجيا أو منطقيا لهذا الدعم الأعمى. وقد أعدتُ مؤخرا قراءة بعض أجزائه، ووجدت أن من أهم الإستنتاجات المستمرة لهذين الباحثين المرموقين، في كتابهما هذا، ما يلي: - «إن اللوبي الصهيوني يدفع حكومة أمريكا تجاه سياسات تضر بمصلحة الولاياتالمتحدة، وحتى مصلحة إسرائيل. وإن التأييد الأمريكي شجع سياسات إسرائيل العدوانية». - «أصبحت إسرائيل عائقا إستراتيجيا لأمريكا، بعد أن كانت مصدر قوة إستراتيجية لها، خلال الحرب الباردة». - «إن اللوبي الصهيوني يعمل على تعيين مسؤولين أمريكيين موالين لإسرائيل في المناصب العليا الحساسة الرفيعة المستوى، وتوجيه الرأي العام الأمريكي دائما لصالح إسرائيل». - «إن هذا اللوبي هو سبب المشكلات التي تواجه أمريكا، في خوض سياستها الخارجية، والتي جعلتها أقل شعبية، وأمنا ومصداقية، خاصة مع تحرك جماعات مسلحة وإرهابية، ضد أمريكا، بسبب انحيازها الأعمى لإسرائيل». - «إن معاملة إسرائيل للفلسطينيين تتعارض مع القيم التي تؤمن بها الولاياتالمتحدة، مما يجعل من الصعب تبرير الدعم الأمريكي المستمر لها». **** وقد قام الباحثان، ميرشايمر ووالت، بإلقاء محاضرات عدة مشتركة في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، في لندن، وفي جامعتي هارفارد وشيكاغو، وغيرهما، عن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ودور إسرائيل فيها. ومما قالاه: - «إن الحديث الذي كثيرا ما يدور في واشنطن، عن احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية لهذا البلد أو ذاك، يعود بشكل كبير إلى ضغوط اللوبي الإسرائيلي. ذلك لا يعني أن أمريكا لن تضغط على بعض الدول، ولكنها لن تفكر جديا بتوجيه ضربة عسكرية». - وقال «ميرشايمر»: «من الصعب تصور حدوث الحرب ضد العراق -مثلا- من دون ضغط اللوبي الصهيوني، لقد كانت إسرائيل تريد حربا ضد إيران، عام 2003م، ولكنها اقتنعت بأن الحرب مع إيران ستعقبها، ولقد تصورت إسرائيل أن الحرب ضد العراق ستكون سهلة، وأنه من الممكن التوجه بعدها ضد إيران». و أورد هذان الباحثان عدة أمثلة على مواقف أمريكا تجاه دول المنطقة، المتأثرة بضغوط اللوبي الصهيوني، والمنفذة كما يريد هذا اللوبي، وبما يعتقد أنه يخدم إسرائيل، دون سواها. **** تلك هي خلاصة لآراء خبيرين أمريكيين تجاه بعض أبرز ما يجري بالمنطقة، وما يسود بها من سياسات. وهذان الباحثان يؤيدان بقاء إسرائيل، ولكنهما يريدان أن لا تخضع حكومة بلدهما لجماعة ضغط رعناء تدفع حكومتهم لارتكاب «جرائم وخطايا صهيونية (باسم أمريكا وبرجالها وأموالها) يصعب غفرانها» – كما قالا. وفي الواقع، فإنهما لم يقولا جديدا غير صراحتهما النادرة في وصف سياسات إسرائيل، وكون معظم هذه السياسات عدوانية. وقد سبقهما كتاب أمريكيون قلائل، تجرأوا على انتقاد إسرائيل. وما زال كتاب ميرشايمر ووالت يحظى باهتمام الأمريكيين، بشتى مشاربهم، ومنهم المؤيد لما ورد بالكتاب، ومنهم الصهاينة الرافضون بقوة له. ويُستغرب تحمس بعض العرب لسياسات إسرائيل، وهرولتهم لتبرير جرائمها ورغباتها، رغم أن أغلب ما تريده إسرائيل هو الهلاك والدمار (للمنطقة وأبنائها العرب والمسلمين) ولا تفعل سواه. فكيف يقبل «عاقل» كأسا من السم الزعاف من ألد أعدائه؟! * كاتب سعودي