قد لا يخلو بيت سعودي من خريج أو خريجة جامعة بلا عمل، وهذه الظاهرة تحفِّز على طرح أسئلة عن التأهيل الجامعي للسوق، وعن جودة التعليم والتدريب، وعن مواءمة المقررات للوظائف المترقبة والمأمولة، ناهيكم عن متانة التأهيل الثقافي والمعرفي والنفسي للخريج والخريجة. أتحدث باعتباري أباً، ومراقباً محايداً قدر الإمكان، وأتساءل معكم: هل غدت بعض الجامعات عبئاً إضافياً على الدولة والمجتمع؟ كونها تأخذ ما تعطي. أم أن بعض الجامعات تتبنى سياسة أمهات ينجبن ويسلمن الشغالات والمربيات؟ هل نتعلم أو نعلِّم أبناءنا وبناتنا ليقضوا سنوات من أعمارهم يترقبون وظائف قد تتوفر وقد لا تتوفر؟ وكلنا نوقن أنه لا قيمة للعلم إن لم تكن المخرجات مؤهلة للعمل وإنقاص عدد العاطلين وتحجيم البطالة، وللإمام أبي حامد الغزالي مقولة: «العلِم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون». أعود بكم إلى حوار دار بيني وبين أحد الأكاديميين العاملين في كلية علمية، سألته: «لماذا لا تستقطب وزارة الصحة خريجيكم وخريجاتكم؟»، أجابني: «وزارة الصحة تجري اختبارات استقطاب دورية، وهناك جامعات يحاول طلابها وطالباتها الالتحاق بالوظائف الصحية لكنهم لا يجتازون الامتحان برغم تكرار المحاولات سنوياً». ماذا يعني هذا؟ قد يعني أن بعض مخرجات الجامعات ضعيفة أو دون المستوى الذي تطمح إليه الوزارة، علماً بأن الطالب والطالبة يتخرج من الثانوية بنسبة تؤهله للقبول مع تفوق في اختبار القدرات والتحصيلي، فهل ضعفت مواهبه وقدراته في الجامعة؟ أتابع الصمت الذي يخيِّم على بعض جامعاتنا، وأتساءل هل هناك خلل في الرؤية؟ وكيف يمكن للجامعات أن تواكب تحولات المملكة، ومن أين سنسد عجز التوظيف في نيوم والقديَّة والعلا مثلاً؟ ما هي الجامعات التي أعلنت أنها نفضت كل ملفاتها القديمة، ونقضت منظومة «مشِّي حالك» واستبدلت برامجها ومقرراتها ودعت لندوات ومؤتمرات لترفع بها كفاءة مخرجاتها؟ بعض الجامعات قد تتذرع بضعف الميزانيات، وبعضها بحسب تصريحات بعض قياداتها فيها إشكالات، وبعضها يلتزم الصمت ويؤثر السلامة، وعلى كل حال من حق المجتمع أن يسأل إذا فشلت المؤسسات المعنيَّة ببناء شخصية الشاب والفتاة في تقديم ما يحتاج سوق العمل، فلماذا نقرأ كل عام العنوان المستهلك (جامعة كذا تدفع بأربعة أو خمسة آلاف لسوق العمل)؟