في مايو 2019، يتلقى الرئيس الأمريكي ترمب اتصالا غريبا ويلتفت نحو فريقه ويسأل: من يتفاوض مع إيران سراً، فيهزّ الجميع رأسه بالنفي، وترعبهم فكرة أن ترمب سيبدأ بالصراخ الآن، فيدرك خوفهم، ويمضي بسرعة نحو مكتبه للاتصال مع «جينا هاسبل» مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية..! في أكتوبر 2018، وبعد انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي، يُصرح فجأة، جواد كريمي قدوسي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أنه متأكد أن هناك مفاوضات سرية جارية بين الخبراء في وزارة الخارجية الإيرانية ونظرائهم في الإدارة الأمريكية، وأن وزير الخارجية الإيراني حاول الاتصال بإدارة ترمب لبدء المفاوضات، واتهم قدوسي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالتفاوض مع أمريكا، وأكد أن المعلومات التي كان يتقاسمها مع وكالة سرية «موثوق بها للغاية». جن جنون المجنون، المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، هتلر القرن ال21، وعرف أن روحاني، ومعه ظريف وفريق من الخارجية، يخالفون أوامره المشددة، فاستدعاه على الفور، وطلب توضيحا، المشكلة أن الاجتماع ضم قادة عسكريين من الحرس الثوري، فوقف حسن روحاني، أمام سيده كالعبد الجريح، الذي أُسقط في يده، ظن أنها النهاية، راح يتخيل ما يفعله رجال العصابات والقادة الفاشيون، حين يكتشفون أمرا جللا، أو حتى صغيرا ولكن لا يعجبهم، تراءت له صورة صدام حسين، في آب 1979، ومن قاعة الخلد ببغداد، يصدر قراره أن يقوم ضباط بإعدام رفاقهم من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث ومجلس قيادة الثورة، بتهمة الخيانة، فانحنى روحاني يقبل يد المرشد ويبكي معتذرا موضحا ملابسات التفاوض سرا مع أمريكا. قائد الحرس الثوري، يبتسم بخبث، يذكر، وهو ينظر نحو روحاني باستهزاء، أن فريق روحاني، والذي يضم نائب الرئيس الإيراني إسحاق جاهانجيري وجواد ظريف وكبار المسؤولين قاموا بزيارات سرية لرجال الدين المؤثرين في النظام في محاولة لإقناعهم باستئناف المفاوضات مع الولاياتالمتحدة، فالتفت روحاني إليه متوسلا، وأدرك أنها النهاية بلا شك. الخبيث الفاشي، قبل الاعتذار على مضض، لكنه اجتمع فورا مع قادة ومسلحي قوة الباسيج، الحرس الثوري الإيراني، وراح يصرخ محذرا من أية مفاوضات جديدة مع واشنطن، وقالها صراحة، إن المسؤولين الإيرانيين الذين يتفاوضون مع أمريكا، ليسوا «رجال دولة» بل هم «رجال أعمال» و«خونة». في واشنطن، قبل أيام، تجيب «جينا هاسبل»، على اتصال ترمب بقولها: معلوماتنا أن وزير الخارجية السابق لأوباما جون كيري، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الأسبق جون برينان هما من يحاول عقد اجتماعات سرية مع إيران، فيسأل ترمب غاضبا: كيف، وهل يحق لهما ذلك؟ قالت: أبدا، هذه خيانة، إنهما ينتهكان قانون لوغان، أوباما يوجه الدفة، وفريقه من الديمقراطيين المتطرفين اجتمعوا سراً مع برينان لمناقشة شر الحرب مع إيران، في العلن يقولون إنهم سيضعون النتائج بين يديك! قال ترمب: ليس هناك أكذب من الديمقراطيين سوى الإيرانيين! في تلك اللحظات، في طهران، وبعد أن اشتد الحصار، وبلغت القلوب الحناجر، يقرع هاتف روحاني بعد منتصف الليل، ويسمع صوت مرشده يقول: ماذا حدث لمفاوضاتكم السرية؟ يجيب روحاني، جميع الطرق مسدودة، هناك رقم هاتف فقط في السفارة السويسرية. المرشد: إياك أن تفعل، قدم تصريحات جديدة لينة، ما عدت تعرف الكذب! في اليوم التالي، السبت الماضي، يلقي روحاني كلمة أمام مجموعة من الفنانين والنشطاء الثقافيين في طهران، يؤكد فيها «أن الأمة الإيرانية منطقية ومستعدة للتفاوض، ولديها القوة والقدرة على القيام بذلك». يقول المثقفون: كذاب، والله العظيم كذاب. * روائية وباحثة سياسية [email protected]