تشتهر السياسة الإيرانية بتوزيع الأدوار، بحيث يخرج قيادات الحرس الثوري للتنديد والتهديد بالرد العسكري، وتسعى الحمائم من شاكلة وزير الخارجية محمد جواد ظريف لإيجاد الحلول الدبلوماسية مع الغرب، ويظل مسرح العرائس من الطرفين يحركه لاعب واحد وهو المرشد خامنئي. ومع اشتداد الضغط الاقتصادي، وهو ما يمثل الحرب الأشد إيلاما على طهران، حيد التواجد العسكري الأمريكي فرص التعديات العسكرية الإيرانية المحتملة، كردة فعل على العقوبات الأمريكية، وبالتالي كانت حتى التعديات الإيرانية سواء على السفن في مياه الفجيرة، أو استهداف خط النفط السعودي، وحتى استهداف محيط السفارة الأمريكية في بغداد، لمحاولة للقول بأنها ما زالت تستطيع القيام برد عسكري على العقوبات. لكنها أشارت من جانب آخر إلى محدودية قدرات إيران على القيام بعمل عسكري واسع، يضر بشكل كبير بتجارة النفط على سبيل المثال، ودليل ذلك عدم تأثر سوق النفط بشكل لافت بعد الاعتداءين، لأن السوق فيه إمدادات كافية، والمنتجين، وعلى رأسهم المملكة، وعدوا بسد أي نقص في الإمدادات ينتج عن تصفير الصادرات النفطية الإيرانية. كما أن أي حماقة إيرانية سواء عبر عمل عسكري كبير أو عبر خروجها من الاتفاق النووي، كما هدد الرئيس روحاني الأوروبيين بإعطائهم مهلة شهرين، قبل تحلل إيران الكامل من التزاماتها في الاتفاق، يخسرها بشكل كبير دعم الأوروبيين، مع التذكير أن روسيا وكما صرح بوتين لن تذهب بعيدا في دعم طهران، ولا ننسى أن موسكو أحد أهم مصدري النفط في العالم، ويسعدها في نهاية المطاف أن يقل المعروض ويرتفع السعر. بل إن مزيدا من الضعف الاقتصادي الإيراني، والذي انعكس على تمويل طهران لميليشياتها، قد يسهم في إنضاج الحل في سورية بحسب وجهة النظر الروسية، بتحقيق مقاربة مع الرؤية الإسرائيلية لخروج القوات الإيرانية من سورية. على جانب آخر، حين ترسل ألمانيا دبلوماسيا مرموقا، مثل ينس بلوتنر مدير الدائرة السياسية في وزارة الخارجية الألمانية، داعيا طهران للالتزام باتفاق فيينا، فهذا يعني رسالة واضحة من الأوروبيين، مفادها أنهم لا يستطيعون دعم إيران متى ما أخلت بالتزاماتها، وهنا يتحول الاتفاق لقفص خرجت منه واشنطن، وتركت القفل مع الأوروبيين. ومع محدودية فرص خيارات إيران خارج غرفة التفاوض، كانت التصريحات الدبلوماسية الإيرانية عالية النبرة، وصرح جواد ظريف أكثر من مرة برفض التواصل مع واشنطن، وأنه لا مصداقية للإدارة الأمريكية التي تخرج من الاتفاقيات الدولية، ولكن الكلام الإيراني يبقى كلاما لا أكثر. وسعى ظريف خلال جولة زار فيها أهم المشترين الآسيويين للنفط الإيراني في الصين واليابان والهند، ثم زار الجارة باكستان، لكن لا يبدو هناك الكثيرون ممن يرغبون في دخول نفق العقوبات الأمريكية، خاصة مع عدم وجود شح في الإمدادات النفطية في الأسواق. وبالتوازي مع هذه الزيارة لم تتوقف جهود الوساطة، بل يبدو أن الكثيرين ينازعون عُمان تخصصها كقناة التواصل المعتادة بين واشنطنوطهران، والتي زار وزير خارجيتها بن علوي طهران، حيث سبقته طائرة قطرية لم يتحدد بشكل رسمي من كان على متنها. ظريف خلال زيارته للعراق، كرر التصريحات الإيرانية، حول «رغبتها في بناء علاقات متوازنة مع كل الدول الخليجية»، كما يقوم نائب وزير الخارجية عباس عراقتشي، بزيارة إلى الكويتوعمان وقطر، لنقاش التطورات المتسارعة في منطقة الخليج العربي. لكن أكثر ما تخشاه إيران هو نجاح المملكة في القمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، وذلك في تشكيل جبهة ضد التدخلات الإيرانية في الدول الإقليمية، وهي الورقة الرئيسية التي يطمح الأمريكان لإزالتها من يد المفاوض الإيراني. قبل المفاوضات كل ما تسعى له طهران اليوم هو تخفيف العقوبات على تصدير النفط، لأنها تستطيع العيش بتقشف بتصدير نصف مليون برميل تقريبا، والنجاح في تصفير صادراتها النفطية، لن يمنحها اكثر من ستة أشهر لتتفاقم أزمتها الاقتصادية بشكل قد يفجر الشارع الإيراني. أما خلال المفاوضات فأكثر ما تخشاه إيران أن تكون السعودية ودول المنطقة جزءا من طاولة التفاوض حول الاتفاق الجديد، وهنا تكمن أهمية قرار المملكة بعقد القمم الثلاث، والسعي لاتفاق نووي يناقش أولاً تدخلات إيران العبثية في الدول العربية. * كاتب سعودي Twitter: @aAltrairi Email: [email protected]