مشوار كفاح بدأه المتظاهرون ب«هتاف» ضد «فساد الإخوان»، وصف حكومة الرئيس المعزول عمر البشير ب«حكومة الفقر والجوع»، مستندين إلى النقص الحاد في الخبز على مدى أشهر، وخواء الصرافات الآلية من الأموال، ومحطات الوقود من البنزين. شرارة «شح متطلبات الحياة»، أضرمتها أفعال «الإخوان» ناراً في قلوب الشعب السوداني، الذي قرر اقتلاع نظام «الكيزان» من جذوره ب«هتاف رجل واحد»، وصرخة لم تتوقف، حتى أعلن نائب الرئيس وزير الدفاع الفريق أول ركن عوض بن عوف «اقتلاع» البشير من الحكم ووضعه في «مكان آمن»، غير أن ذلك لم يرض طموحات الشعب، فتظاهر مرة أخرى ضد ابن عوف، ما أدى إلى تنحيه عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي وإفساح المجال للفريق أول عبدالفتاح البرهان غير المنتسب لجماعة الإخوان المسلمين، مخلفاً حالة من الرضا بين المتظاهرين. لعبة «الإخوان» المكشوفة أحبطها الشارع، كاسراً طوارئ المجلس العسكري، ومتحدياً حظر التجول ب«صمود» اعتبره المراقبون الأقوى في تاريخ السودان، مؤكدين أنه حقق مطالب المتظاهرين في نهاية المطاف، إذ أصابوا الهدف المتمثل في «إزاحة نظام الإخوان»، غير آبهين لحديث رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عمر زين العابدين بتسليم السلطة ل«حكومة مدنية» بعد عامين، واعتبروه «مراوغة إخوانية»، تضاف لسجلهم العامر بالمراوغات والأكاذيب على السودانيين وشعوب أخرى، رفضها في الوقت ذاته «تجمع المهنيين» قائد حراك الشارع، حاثاً المعتصمين على مواصلة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش إلى أن تحقق المقصد. نظام «الإخوان» الذي سرى ك«السرطان» في جسد السياسة السودانية 30 عاماً، قال مراقبون إنّ «جراحة الثورة» اجتثته، ولن يبقى له أثر في أرض الواقع، لأن الحكم سيؤول قريباً إلى حكومة مدنية ينتظرها الشعب، لتحوّل جحيم «الإخوان» إلى نعيم بخيرات «سلة غذاء العالم». مصارعة الأنظمة الفاسدة ليست أمراً سهلاً، كما يقول أحد المحللين السياسيين، لأن الفاسد يدافع عن فساده حتى آخر رمق خوفاً من العقاب الرادع، غير أن متظاهرين أصحاب عزيمة كما في السودان كان بيدهم خلاص بلدهم من حقبة سادها الظلم وتدهور الاقتصاد، وسوء علاقات الجوار. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل يفلح الفريق البرهان في إصلاح ما أفسده نظام المعزول البشير، بالجلوس مع القوى السياسية الأخرى وتعيين نظام مدني انتقالي، أم ستكون للقصة بقية؟