لماذا يستميت «الإخوان المسلمون» من أجل السيطرة على الحكم في ليبيا، فحجم الصدمة في إسطنبولوالدوحة فاق التوقعات بسبب انتفاضة الشعب الليبي لاسترداد وطنهم من الاحتلال «الإخواني - القطري- التركي»، لقد كانت بالفعل ليبيا بمثابة الجائزة الكبرى التي تمنى التنظيم حكمها وحلم بالاستيلاء عليها، فهي بكل المقاييس دولة نموذجية جاهزة لتكون منصة لإنهاء «تيه» الإخوان المستمر منذ 80 عاماً لليوم. تمتلك ليبيا أطول ساحل عربي على البحر الأبيض المتوسط يصل إلى 1850 كلم، وتقترب جداً من أوروبا، وتُقطع المسافة بينها وبين السواحل الأوروبية في أقل من ساعة، تعدادها السكاني لا يزيد على 4 ملايين نسمة على مساحة ضخمة، هذا فضلا عن كونها دولة نفطية وغنية تنتج «أحلى» بترول في العالم قليل الكلفة سريع التكرير، إضافة إلى موقعها المتوسط بين مصر والسودان من جهة، وتونس والجزائر والمغرب من جهة أخرى، ما يتيح لها أن تكون نقطة اتصال بين أوروبا وأفريقيا وآسيا. ليبيا هي باب أفريقيا الواسع وجسرها نحو أوروبا، ولو استولى التنظيم الإرهابي على الحكم فإنه لا محالة سيتمكن من السيطرة على أفريقيا بالكامل. ما يريده الإخوان المسلمون في ليبيا ومن ورائهم بعض الدول الغربية، هو تكرار «التجربة القطرية»، ولكن هذه المرة في الشمال الأفريقي، دولة صنيعة للمخابرات أقرب ما تكون إلى معمل لصنع النقود وإرساله بالبريد المستعجل للحسابات السرية في أوروبا. بعدما أدت قطر دورها كدولة عميلة في الخليج العربي، سيكون النموذج الليبي مبنيا على قاعدة «دولة غنية جداً وشعب قليل» ما سيتيح للتنظيم استخدام الوفورات المالية لتمكين «الجماعة» ودعم التنظيمات المحلية الأخرى في العالم العربي والإسلامي للوصول للحكم والسيطرة على الدول سواء عن طريق الانقلابات والاحتجاجات والثورات، أو عن طريق اختراق المجتمعات واستخدام الوسائل الديموقراطية، ومن ثم البقاء في الحكم عبر ألاعيب السياسة والخداع كما هو الحاصل في تركيا على سبيل المثال، بالطبع الهدف النهائي إنشاء دولة الإخوان العالمية الممتدة من كوالالمبور شرقاً إلى الدار البيضاء غرباً. هذا ما فعلته قطر تماماً، التي يتوفر لها ما يوازي إنتاج 12 مليون برميل من النفط يومياً، ولكن عن طريق الغاز، هذه الوفورات المالية الهائلة تزيد عن حاجة الشعب القطري بأكثر من 10 مرات، لا يستخدم سوى أقل من 10% داخل قطر، ويتم توظيف 90% من الدخل لاستمالة مراكز القوى الغربية عن طريق تمويل مشاريع غربية وإسرائيلية ودعم التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم. كل تلك العوامل الإستراتيجية دفعت «مرشدي» التنظيم السري «للإخوان» في العالم للاتحاد وراء الجماعة الفرعية في ليبيا من أجل استكمال مشروع الاستيلاء على الحكم الذي بدأ العام 2011 واستعباد الشعب الليبي من أجل مصالح وأهداف التنظيم الدولي. الإخوان بنوا مع القطريين إستراتيجية مصالح معقدة ومتشابكة في العالم كله، واستخدموا الدوحة كرافعة من أجل الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي، عندما سخرت الدوحة علاقاتها المشبوهة مع الرئيس الفرنسي الأسبق سراكوزي ودفعت بعشرات الآلاف من مقاتلي القاعدة لبناء تواجد لهم في البيضاء ومصراطة لتقويض البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ليبيا، لقد دفع القطريون ما يوازي 200 مليار دولار لتحقيق ذلك، إلا أن ذلك جاء على حساب الشعب الليبي ومستقبله وتحويل ليبيا إلى دولة فاشلة بعدما كانت واحدة من الدول الأكثر رفاهاً في أفريقيا. اليوم يقود المشير خليفة حفتر مشروعاً وطنياً لتقويض التجربة «القطرية»، وتحرير ليبيا من أن تتحول إلى حديقة خلفية للجماعات الإسلاموية المتطرفة، أو بنك مصرفي لجماعة الإخوان المسلمين يبيعون من خلاله نفط الشعب الليبي للصرف على حياتهم الفارهة في عواصم العالم وتمكين أتباعهم وتمويل مشاريعهم التخريبية. * كاتب سعودي