يتندر البعض على فوز شاعر بجائزة تبلغ 5 ملايين ريال، والآخر بمليون أو 500 ألف! وحق له السخرية لأنه لا يعلم أن هذه الجوائز بالذات في مجال الثقافة «القوة الناعمة» مكان تتبارى فيه الدول لفرض سيطرتها عليه، فالشعر هو الباقي وكل ما عداه يزول، الغرور أم «السوشال ميديا» هي المسيطرة واقع صحيح ولا يمكن تجاوزه، لكن حتى في تلك المواقع على مستوى العالم التغير فيها سريع لأنها لا ترتكز على قاعدة غير الاستهلاك، والاستهلاك محو للقيمة ولا يمكن التعويل عليه، لكن الذاكرة الإنسانية ستحتفظ بالأقوى على مجاراة محو الزمن والثقافة والفنون الحقيقية هي الباقية، والتاريخ شاهد على ذلك، فنحن نرى اليونان اليوم بعين الإكبار مهما تعثر حاضرها لأنها الضوء الذي انبعث للعالم أجمع، ولم تصبح أمريكا بهذه القوة الجبارة عسكرياً أو اقتصادياً أبداً لو لم تكن تدعمها هوليوود بكل ذلك الجبروت السينمائي المخيف لتسويق إنسانية «الرجل الأبيض»! هذه المبالغ الخيالية التي تصرف على جوائز نوبل في جميع فروعها هي ساحة حرب للدول بالذات في مجال «جائزة السلام» و«الأدب»، وهما جناحا القوى الناعمة، لاستثمار محادثات سياسية أو التسويق لشخصيات وتقديمها للعالم على أساس أنها رسل الخير والمحبة للبشرية، هذا كله يخفي توجهات لتشكيل عالم جديد، أزعم أنه ليس من حقنا الاعتراض أو حتى التشكيك في تلك النوايا وإن كنا نعلم النوايا جيداً لسبب واحد هو أننا خارج موازين «القوة الناعمة» لأسباب نعلمها جيداً، ولا نريد الخوض في ماضٍ فات! المهم أن نبدأ في وضع إستراتيجيات ثقافية تتجاوز بنا الزمن الضائع في ما سبق! ونحن على بعد يوم واحد من إعلان «إستراتيجية وزارة الثقافة»، متفائلة أننا على أعتاب استثمار قوي وواعٍ لكل مقومات ثقافتنا المتعددة والمترامية الأطراف لصهرها في لوحة متعددة الألوان؛ لأن التعدد قوة وفي هذا الفسيفساء الثقافية ما يجعلنا نلم بكل أطراف الطيف الثقافي العربي؛ لأن الجوائز التي ستخرج من هذا التعدد تمكننا من التمدد الثقافي وتكوين تلك «القوة الناعمة» الذراع القوية الحقيقية للقوة الاقتصادية والسياسية، فالجوائز المليونية هي المحرك والمحفز والدافع لفرش بساط القوة الناعمة في المجتمعات. * كاتبة سعودية