يحتفل العالم أجمع باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف شهر مارس من كل عام، حصلت المرأة على بعض حقوقها ولا زالت تناضل من أجل الباقي، المرأة في المملكة العربية السعودية لها يوم أيضاً تفخر به وتحتفل، يوم أعلن الأمير محمد بن سلمان (مجلة ذا اتلانتك الأمريكية) أنه يدعم المرأة لأنها نصف سكان المملكة وأنه في الإسلام لا يوجد فرق بين النساء والرجال، فارضاً عدة إصلاحات تتعلق بالوصايا المفروضة على المرأة، مصدراً أكثر من 20 قراراً محلياً عزز حقوقها وأعطى لها الحق بدخول الدوائر القضائية وتجريم إجبارها على الزواج بالإكراه وتسليمها نسخة من عقد زواجها وإشعارها بطلاقها، وجعل من حلمها حقيقة بأن تصبح شريكاً رئيسياً في حراك المجتمع، محطماً بيد من حديد كل المعوقات التي وضعت أمامها على مدى 30 عاماً هو عمر «الصحوة» التي نكدت الحياة بحقد. ولئن كان العالم العربي قد تأخّر في الاستجابة لمطالب المرأة، فإننا الأكثر تأخرا في هذا المجال، لجملة من الأسباب والظروف؛ يتقاطع فيها الاجتماعي وما يحفل به من موروثات وتقاليد، والتفسير الديني وما يحتشد به من آراء وتأويلات لا يخلو بعضها من غلو وتطرف ونظر سقيم فاجتماع الظرفين الاجتماعي والديني، مكّن للسطوة الذكورية، من إحكام قبضتها على رقاب النساء، وسوقهن بتبعية مطلقة لعالم الرجال، إلى غاية أن صبيا لم يبلغ الحلم بوسعه أن يتحكم في حرائر بلغن من العمر عتيا، وأشد ما كان هذا التطرف والاعتساف حيال المرأة وشؤونها إبان سطوة تيار «الصحوة» وانتشار مفاهيمه البالية، فتحوّلت المرأة في الخطاب العام إلى كائن يستوجب من «العقلاء» الحذر، وفتنة لا بد من إدراجها تحت غطاء السواد الحالك، وحجبها بالحجاب المغلّظ، في صورة أقل ما توصف به أنها كانت «وأدا معنويا» بمعنى الكلمة، فعشنا حقبة من الزمن ب«نصف معطّل»، وعقل ناقص، ورؤية معطوبة، وبات خطابنا الدعوي مركّزا على المرأة، مستهدفا جسدها بوصفه محرك الغرائز، ومثير الشهوات، وباعث الفتن، والغريب في هذا الخطاب أنه لم يذكّر الرجال بغض الطرف، بذات الحيوية والنشاط الذي كان يصرفه لتقريع النساء وعقابهن لمجرد كشف شيء من الوجه، أو سقوط غطاء الرأس، هكذا كانت الحقبة الماضية، وهي صورة لم نكن نعرفها قبل حقبة الصحوة، والحمد لله أننا تعافينا منها في هذا العهد الزاهر الميمون، فواقع الحال اليوم يشير إلى بون شاسع وعريض في ما يتصل بالمرأة وشؤونها، عدنا إلى ما كنا عليه؛ مجتمعا معافى في نظرته حيال نصفه الآخر، دون أن يكون في ذلك تجاوز لثوابت، أو خروج عن دين، أو اغتراف لمأثمة.. إنه عهد أعاد للمرأة كرامتها، حين امتهنها الممتهنون بتجريدها من العقل والنظر إليها من ثقب الجسد، فاستحالت عندهم طريدة وفريسة ومجمعا للشهوات والفتن الحسية.. عهد مكّن المرأة السعودية من الانطلاق في باحات العلم وساحاته دون قيد أو شرط غير الإجادة، والتنافس الشريف.. عهد أخرج أبدع ما في المرأة من إمكانيات، فأظهرن براعة في كل مجال، وقدرة في كل موقع.. عهد أتاح للمرأة بحقها المشروع أن تدلي برأيها.. فصوت في الشورى، ومقعد في المناصب العليا.. وزيرة، وسفيرة، ومديرة.. إلى آخر الوظائف التي احتكرها الرجل لنفسه زمنا، بغير مسوغ سوى «السطوة الذكورية».. عهد، تجاوز معضلة قيادة المرأة للسيارة وأين تضع عباءتها على الرأس أم على الكتف هل صوتها عورة وخروجها عار وحركاتها فتنة، وها هي اليوم قادت سيارتها بنفسها، دون أن ينشرخ شيء في المجتمع، ودون أن يحدث ما كان ينعق بالتحذير منه الناعقون فحوضها سليم وعضلاتها قوية وعقلها كبير. عهد فتح الأبواب الموصدة، وحطم الأقفال الصدئة، وتجاوز ركام الخوف «والفوبيا» حيال المرأة وعالمها، وفسح المجال المتراحب في كل مجال؛ من المجالات الحياتية المختلفة، فكل مجال متاح، بلا سقف لطموح الطامحات إن أردن الانطلاق.. هكذا عرفت المرأة حريتها المنضبطة، وبهذا الصنيع من صاحب نهضتنا تفجرت طاقات «ناعمة» كانت حبيسة في قمقم التقاليد البالية، والمفاهيم المجافية لروح النصوص الدينية، أو المفسرة لها بما يوائم هواها، ويوافق عللها النفسية، فكان في ما أقدمت عليه القيادة بإعادة الحقوق السليبة للمرأة علاج لتلك النفوس، فعاد بعضها إلى رشده، وأدرك خطل موقفه، وعرف أن الأمر أيسر مما كان يظن، وأسهل مما كان يعتقد، وأبدع مما كان يتصور.. لم نبلغ الكمال المنشود في توفير البيئة الأمثل للمرأة السعودية، فذلك طريق نحتاج فيه إلى كثير من الجهد والعناء، بخاصة على المستوى الاجتماعي، فلا زال البعض يثقل خطاه بذات مثاقيل الحذر القديم، ويحجل في مضمار الرؤى المنسوفة، ويكبل خطى من ولاه الله رعايتهم، والقيام بشأنهم من نسائه وأخواته وبناته، وإلى حين أن نتحرر من هذه العوارض النفسية والعلل المجتمعية، من المهم أن تمضي المسيرة بذات «الرتم» العالي المتصاعد، لتقدم نساء بلدي صورة لماهية المرأة العربية المسلمة، القادرة على تحقيق طموحاتها، محروسة بقيمها، ومصانة بدينها، معززة بوعيها، وإنها لجديرة بذلك، وقمينة بكل ثقة تمنحها زاد المسير في هذا الطريق الشاق.. ليكون لاحتفائنا ب«يوم المرأة العالمي» سمة الاعتزاز، ومرتكز الانطلاق، ومبعث الفخر.. جزى الله قيادتنا الرشيدة الحكيمة خير الجزاء، وهي تعيد للمرأة إنسانيتها المسلوبة، وتعبّد لها الطريق نحو غايتها السوامق.. وكل عام ونساء بلادي الرائعات في ذرى المجد الأشمّ محلقات. * كاتب سعودي