أطل (لقمان الخبتي) برأسه من خلف أعلى صخرة في رأس العقبة، استبشر خيراً بسيدة تصرم لحمارتها من العثرب وتضعه أمامها، اقترب فجفلت الحمارة، وانتبهت السيدة ل«اللافي» فوضعت طرف شرشفها الأبيض على فمها، وقالت: وشبك تتسلبى كما الحلبوب الأعمى أخرعت الحمارة اشتلوك بمصنفك من رأس العقبة. ضحك وانتحى جانباً من الركيب وأخرج من جيبه حبات (لِيم) وبدأ ينادي الحمارة (شوشو شوشي) فاقتربت وبدأت تلتهم ما في يده من الليم. نهرتها، وطلبت منه يوخّر عن حمارتها، فأنشد «يا سروية لا تسوقين الحمارة، خليها تأكل حلا الليم، ما لك بليم حالي يلقح طحالي» وقال: إن كان فيك خير فردّي عليها، قالت: قحطوك لين تخرج عيونك من رأسك. رأى بيتاً جانب منه معمور ومخلوب بالشيدة البيضاء، كان فوق بسطته العالية عدد من الرجال يتحرون صلاة المغرب، ألقى عليهم السلام، فردّوا وقال الشايب «مسانا يا رجال» فردّ «إي والله» صعد إليهم، رحبّوا وسهلوا وأخذوا علم الرجال، الذي نال بدهائه ولباقته حظوة الإعجاب، نسب نفسه لعائلة معروفة عند السروان، وعرض عليهم سبب مطلاعه من الخبت، وأنه يبحث عن زوجة سروية، وقال لهم: أعلامنا بالأستار، في ذيك الديرة اللي ما تخفاكم الأراضي قافرة، وعين الله ناظرة، وحيد إلا من ستر الله، قالوا بصوت واحد (دام) فعلّق (علينا وعليكم) إلا وغير جاي لهذي الديرة أدوّر لي بنت حلال. لم يعلم أن النصيب كتبه ربه له في هذا البيت، عادت راعية الحمارة معها حمل ذراعها حزمة قشاش، وإذا بالتهامي متمدد ومشعل الغليون، ويردد قصائد الأصوك ويختمها «يا قلب الأصوك تريّح وشبك الليلة»، قال صاحب الدار: حياك، ومطلوبك ما نتعذر فيه. عرّفه على الحاضرين «البناء سعيد، والملقف ساعد، والمعاون مسعود). ولّم لهم عشاهم عصيد ومعرق ولبن وسمن، لم تنزل عين التهامي عن كف البناء يختفس في المرق بلقمة تشيل صاع. وكلما رفع الخفسة نقصت المرقة، فبدأ يروي لهم سالفة عن جده، أربّ الله يلهّيهم عن الأكل، فقال: كان جدّي بواردي، وهم يختفسون ويرددون «الله واليها» انطلق في السواليف وعندما نظر في صحن العصيدة.. للحديث بقية وسلامتكم.