صرم سعيد البرسيم مع غروب شمس أربعاء شاتي، أوصاه أبوه: اصرمه وأنا أبوك كله، خلنا نهبط به لو ما يجيب لنا إلا نص كيلو لحمة، اقترح سعيد يقسمه قسمين، فردّ الأب «بتأكله القِرّه نافداك»، وقبل أذان الفجر، كان صغيران يحشوان البرسيم في كيس خيش مبلول، ويركبانه في مؤخرة الحمارة (ظفرة) كما يطلقان عليها، فيما تمت تهيئة مقدمتها للراكب، وعادا إلى مرقدهما، ورائحة التميس تداعب أنفيهما. أطل سعيد من فوق الجناح، فرأى أباه قادماً من طرف القرية، صاح في شقيقته «أبي جاب التميس» فيما شمّر عن ساقيه، وتناول جدار الجيران، ونزل من الدرج الحجري، ودخل من مصراع مجاجا، مختصراً المسافة، فدنق برأسه ودعب من السفل، رأى رجال منسدح في حثل امرأة تلقّم حسيلة رقطاء، ما أن قال اسمعي وش يقول «ابن عقّار» حتى قطع الصغير عليهما حبل الوصل. صعد على حافة جدار ركيب، فوقف أبوه بالحمارة ملاصقاً للجدار، ليركبه خلفه. ضمّه من وسطه بكلتا يديه، كانت المساريب لا تسعه من الفرحة، وهو يشم رائحة ملابس أبيه، فيما تنبعث من الخرج رائحة تميس و(يوسف أفندي) وتفاح أبو خدين، وشار لأمه المتوحم. عبدالرحمن من أشقى الأطفال، يتميز بخفّة الحركة، ترقب مرور الحمارة من تحت جناحهم، وتخبأ في منعطف ضيّق، وبمجرد أن اقتربت بمن فوقها قفز أمامها صائحاً «بخ». خارت قوى الحمارة، وسقطت أرضاً، فيما لملم أبو سعيد نفسه واعتزى ومد الخطوة، وتبعه إلى داخل المنزل، مردداً «وينه»، يخاطب أمه «اخرجيه.. ع الطلاق لاشرب من دمه». توجهت إلى القربة، وحلّت حبلها، وصبت له ماء في طاسة، فهدأ، وأقسمت له أن الشيطان ما دخل بيتها، وبينما هو متقعفز فوق المتكأ ويتجغم المأ، شعر بحركة في خصفة الحب، فحشره، داخلها، والأم تستنجد، ألحقوني، بيذبح ولدي. جاءت أم سعيد لحمل الخرج، والاطمئنان على صغيرها، فيما عجزت ظفرة عن الحركة، وعندما عاد أبو عبدالرحمن من الوادي، راح لأبي سعيد، واعتذر، منه، وقال «بدال الحمارة حمارة، وقرصك يا رفيقي في السمن، وغضّب الله على الشيطان». علمي وسلامتكم. Al_ARobai@