الأخوّة الإنسانية تعبير شاع مؤخراً على ألسنة بعض قادة وزعماء المسلمين وغيرهم، وكأنهم قد اكتشفوا أمراً لم يصل إليه أحد من قبل، مع أن المتدبر لآيات الله تعالى، ولأحاديث رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - سيجد هذه الأخوّة الإنسانية مجسدة في قرآننا وسنتنا الشريفة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. جذور هذه الأخوّة الإنسانية واضحة في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات، في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». فالقارئ للآية الكريمة السابقة سيجد النداء فيها ليس موجهاً للمؤمنين ولا للمسلمين، وإنما الناس كافة: «يا أيها الناس»، مؤمنهم وكافرهم، والنداء من قبل الله تعالى، يذكر فيه البشر جميعاً بالأصل الواحد، فكلهم من أب واحد، وأم واحدة، وهنا يكمن معنى الأخوّة، فأبناء الوالدين إخوة، وإن اختلفت ألوانهم وطباعهم وأحوالهم، كما توضح الآية الكريمة الغاية من خلقهم مختلفين شعوباً وقبائل، فالغاية ليست التناحر والصراع والحروب، على نحو ما نرى الآن في العالم بأسره، إنما الغاية هي التعارف والوئام، وما نجده من تباين واختلاف في الألسنة والألوان والطباع والأخلاق، هو تنوع لا يقتضي ما نعيشه من حروب ونزاعات، بل يتطلب التعاون والتكاتف، أما اللون والجنس واللغة، وسائر الاختلافات فلا وزن لها في ميزان الله تعالى. وأكد النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأخوّة الإنسانية عندما أخبرنا في الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله: «كلكم بنو آدم، وآدم خلق من تراب». علينا إذن أن نعي هذه الحقيقة، أن ثمة رابطاً بين البشر جميعاً، وثمة هدف جعله الله تعالى لنا من وجودنا، أما الرابط فهو الأخوّة الإنسانية، حيث الأب الواحد، والأم الواحدة، وأما الهدف فهو التعارف، والتعارف هنا كلمة واسعة الدلالة، فالتعارف لا يتم حقيقة دون المعايشة والتعامل والمعاشرة لتحقيق غاية التقوى، لنكون عند الله تعالى مكرمين. الأدلة القرآنية والنبوية تسقط جميع الفوارق المصطنعة من قبل البعض، بل وتخمد شرارة أي نزاع أو خصومة، وتضع أسساً للألفة والتعاون، لتستقيم الحياة، ويؤدي الإنسان دوره الذي خلق من أجله؛ عبادة الله وحده وإعمار هذا الكون، لا تخريبه وتدميره بأسلحة نووية، وصواريخ بالستية. أفلا يتدبرون القرآن؟!