ذات ليلةٍ ظلماء، كنت مُختلية بنفسي خلوةً شرعية، وإنسانية، وروحية، وحاولت في حينها أن أجمع ما تيسر من ذاكرتي وأستعرض شريط حياتي وذكرياتي وأستحضر روحي التي اشتقت إليها ولم ألتقِها منذ زمن لأقبلها وآخذها بالأحضان. حقيقةً كنت (منفسنة) قليلاً، بمعنى أنني كنت أشعر بالحزن والكآبة، وقد أصابني مسٌ من جنون، ومزاجي معكر وليس بأفضل حالاته، فقررت أن (أُرفّه) عن نفسي وأبحث عن شيءٍ غير تقليدي ليُسليني. فقَلبتُ و(تَقلبت) في الشبكة العنكبوتية كما تقلب فنان العرب على جمر الغضى وربما أكثر لأرى أين وصل العالم باختراعاته واكتشافاته، وأنا لم أبرح مكاني مُنذ 3 أشهر وأسبوع و4 أيام و22 ساعة و5 دقائق و46 ثانية بالضبط من الآن. ومن خلال بحثي في عجائب العالم وجدت أن (الشِلّة) في اليابان قد اخترعوا (معطفاً إلكترونياً) لمن يعانون من الوحدة أو الحزن، بحيث يمنح هذا المعطف لمرتديه شعوراً مماثلاً لما يشعر به الشخص حين يعانق من يحب مع ما يصاحب ذلك من سعادة تغمر صاحب هذا المعطف المحظوظ. ويحتوي هذا المعطف على مُحركات في الخلف لتقوم بمقام (الذراعين) ويجري التحكم بها إلكترونياً، وعلى مرتدي المعطف وضع سماعات ليستطيع سماع صوت مُسجل لخطوات أو عبارات مثل: «آسفة، هل كنت بانتظاري ؟ أو من أنا ؟» وبعد هذا يشعر الشخص بالعناق (كذبياً). ربما يبدو لكم الأمر خيالياً، ولكنه واقع بالفعل، وهذا قد أغضب (شِلّة) علمائنا الألمان فقرروا أن يتفوقوا على علماء اليابان واخترعوا معطفاً آخر ثلاثي الأبعاد، رباعي الأطراف، خماسي الأسجاف، سداسي الأهداف، يجعل من يرتديه (يختفي) ويكون غير مرئي للناظرين. وقد أكد على هذا العالم المعروف -الذي لا أعرفه- (نيكولاس شنتجير)، وقد قال حفظه الله إنه نجح مع زميله في صنع هذا المعطف من خلال تغيير مسار الأشعة تحت الحمراء، ويعتمد هذا الاختراع على تقنية النانو التي يستطيعون بمساعدتها التأثير على انتشار الموجات الضوئية وتحويلها إلى مسارات جديدة تجعلك تختفي. وحقيقةً بعد أن قرأت عن هذين الاختراعين زادني هؤلاء العلماء همّاً فوق همي، فتركوني في حيرة من أمري وانطبق عليّ المثل القائل: (رضينا بالهم والهم ما رضي بينا)، ولا أدري هل أشتري معطف العناق أو معطف الاختفاء؟ على ما يبدو، ربما عليّ أن أخترع وسيلةً أخرى لا علاقة لها بالمعاطف ما ظهر منها وما بطن؛ لذا سأخترع اختراعاً يخدم البشرية ويقلب الموازين، ويدعو لي بسببه كل من يحبني ومن يكرهني كذلك، وأشهدوا «عكاظ» على ذلك حين تزف اسمي في قائمة المخترعين أو المهايطين. سأخترع (حبوباً) تخترق خلايا المُخ والمُخيخ، وبمجرد أن يتعاطاها الشخص يومياً (على الريق) ستمحو من ذاكرته كل هم، وكل ألم، وكل لحظة حزن مرت عليه، وكل كلمة جارحة ما زالت توجعه، وستقوّي قلبه و(بُطينيه) الأيمن والأيسر وتضخ الدم في عروقه من جديد لتجعله لا يتذكر ولا يستشعر إلا لحظات فرحه، وسعادته، وانتشائه، وذكرياته الرائعة والجميلة، ليحيا بها ومن أجلها ويعيشها واقعاً مع من يهوى ويُحب. وعلى طاري العناق والمعاطف والعواطف، رحم الله الفنان العظيم الذي سباهُ الحُب ونحل جسمه وجعله يتمنى أن يعانق (طرحة). * كاتبة سعودية Twitter: @rzamka [email protected]