رؤية المملكة 2030، التي أقرها مجلس الوزراء في أبريل 2016، تشكل نقطة تحول في الاقتصاد السعودي، وإستراتيجية واعدة للتنمية الاقتصادية في المملكة، بعد مرور نحو نصف قرن تخلله اعتماد (10) خطط تنموية، مدة كل منها خمس سنوات، لم تكن كافية لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة. فقد نصت الخطة الخمسية الأولى (1970-1974) على «تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة إسهام القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي»، وتكرر مضمون هذا الهدف في كافة الخطط الخمسية، وصولاً إلى الخطة الخمسية الأخيرة (2015-2019)، ولكن هذا الهدف لم يتحقق وتكرس على مر السنين الانطباع إقليمياً ودولياً عن هشاشة الاقتصاد السعودي ذات السلعة الواحدة (النفط)، وبات أكثر عرضة للهزات والتقلبات بسبب تذبذب أسعار النفط وكميات إنتاجه، وتجسد ذلك في تدهور أسعار النفط في الثمانينات الميلادية، لتصل متوسط أسعاره (13.5) دولار أمريكي للبرميل في عام 1986، مقارنة بنحو (27) دولارا للبرميل عام 1985، وواكب ذلك كميات إنتاج وتصدير منخفضة، نتج عنه نقص في إيرادات الدولة بأكثر من 50%، وتأخر الإعلان عن ميزانية الدولة السنوية، التي لازمها عجز حاد، واتخذت الدولة إجراءات تقشفية، وتعطل سير العمل في بعض المشاريع. وإزاء هذا الواقع، يتعذر وضع إستراتيجيات وخطط مستقبلية لاقتصاد قوي ومتين، قادر على النمو والاستدامة، ومواجهة التحديات، وجاءت الرؤية بابتكار نهج جديد للتنمية الاقتصادية في المملكة، لتلافي تلك الأزمات والتقلبات الخطيرة في الاقتصاد السعودي، والاستغلال الأمثل لموارد البلاد واقتناص الفرص الاستثمارية. وتستهدف الرؤية في الأساس، وحسب ما ذكره ولي العهد مهندس الرؤية وعراب التنمية، بناء وطن أكثر ازدهارا، يأتي في مقدمة دول العالم بالتعليم والتأهيل، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحية والسكن والترفيه وغيره. اشتملت الرؤية على أهداف إستراتيجية وفرعية يتم تنفيذها من خلال برامج ومبادرات متعددة ومتنوعة، وضع لها آليات للمتابعة والتقييم والمراجعة والمساءلة والمحاسبة، وتضمنت الرؤية كذلك مستهدفات (مؤشرات تنموية واقتصادية)، مماثلة لتلك في الدول المتقدمة، يستخدم فيها أحدث طرق القياس (KPIs)، لمعرفة مدى إنجاز المستهدف من عدمه. احتوت الرؤية على مؤشرات لتوسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر الدخل، ومؤشرات للتنمية البشرية والمستدامة، يتولى سمو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الإشراف عليها ومتابعتها، وباختصار فإن الرؤية ما هي إلا قناة نعبر من خلالها في فترة زمنية محددة (15) عاماً إلى دائرة الدول المتقدمة. فعلى سبيل المثال، تقليل الاعتماد على النفط هو أحد الأهداف الإستراتيجية المنصوص عليه في الرؤية، ويقاس ذلك بعدد من المؤشرات؛ منها ارتفاع معدلات الإيرادات غير النفطية، مقارنة بالإيرادات النفطية، حيث استهدفت الرؤية بلوغ الإيرادات الحكومية غير النفطية تريليون ريال بحلول عام (2030). ففي رسالتي للدكتوراه بعنوان: «الجدوى الاقتصادية لصناعة البتروكيماويات في المملكة،The Economic Viability of Saudi Arabian Petrochemical Industry, 1987»، اقترحت ضرورة التوسع في الصناعات التحويلية وتوطين التقنية وتعزيز تشابك الخطوط الأمامية والخلفية للاقتصاد السعودي، إذا ما أردنا زيادة الصادرات غير النفطية، وتقليص الاعتماد على النفط. أستطيع القول، إننا ما زلنا في بداية المشوار، في العام الثالث من الرؤية، ولا بد من تكاتف الجهود على مختلف الأصعدة والمستويات، فالرؤية مشروع تنموي شامل ومتكامل، غايتها تحويل بلادنا إلى دولة متقدمة في كافة المجالات، ولدي ما يبرر تفاؤلي بنجاحها بإذن الله، فهناك العزم والإصرار من قياده هذه البلاد لترجمة أهداف وبرامج الرؤية على أرض الواقع، وتكييفها وتعديلها حسب التطورات والمستجدات الاقتصادية، المحلية منها والدولية. ختاماً، كلي أمل ورجاء بأن يكلل الله جهود القائمين على هذه الرؤية بالتوفيق، لعلها تندرج ضمن النماذج الاقتصادية التنموية الرائدة في اقتصاديات التنمية، وتصبح تجربة ناجحة تدرس في الجامعات ومراكز البحث العلمي، وتستفيد منها الدول التي تطمح نحو تنمية اقتصادية مستدامة، فلا يتفاجأ البعض عند تنفيذ الرؤية بإخفاقات في بعض المؤشرات الاقتصادية، فغالباً ما تكون وقتية محكومة بمتغيرات داخلية وخارجية، فالعبرة بالنتيجة، ومعدلات تلك المؤشرات تقاس في الأصل في المدى الطويل، وبدأنا ولله الحمد نلمس وفي وقت مبكر، نتائج هذه الرؤية ونقطف ثمارها في أكثر من جانب في حياتنا اليومية. وأسأل المولى عز وجل لولاة أمرنا العون والسداد ولبلادنا الغالية العز والتمكين والرفعة والازدهار، وصدق الله القائل في محكم كتابه «قل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون...» * نائب وزارة الداخلية السابق