ورد بالتقرير الأخير الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) الثاني والخمسين، أن الاقتصاد السعودي واصل نموه الإيجابي خلال عام 2015، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (سنة أساس 2010)، نسبة نمو بلغت 3,5 في المئة ليبلغ 2520,8 مليار ريال (672.2 مليار دولار أميركي)، بالرغم من انخفاض أسعار النفط العالمية، مستفيداً في ذلك من رؤية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، التي استهدفت التنسيق بين السياسات الاقتصادية والتنموية ووضعها في إطار متناغم لتحقيق الأهداف التنموية من خلال الخطط الخمسية، والتخفيف من الاعتماد على إيرادات النفط كمصدر رئيس للدخل القومي. وتوقع التقرير وفقاً لتقديرات مؤسسة النقد العربي السعودي، التي بنيت على تقديرات سنوية لأهم المؤشرات الاقتصادية وافتراضات محددة بشأن السياسات النقدية والمالية والمتغيرات الخارجية، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة خلال عام 2016 بنحو 1,8 في المئة، وأن يحقق الحساب الجاري عجزاً يعادل 9,4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ وتوقع التقرير كذلك أن يتراوح معدل التضخم خلال عام 2016 ما بين 3,8 و 4,3 في المئة (سنة الأساس 2007)، في حين توقع ارتفاع الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي بنسبة 1,2 في المئة في عام 2016، وأن ينمو القطاع غير النفطي بنسبة 2,5 في المئة في نفس العام، وأن يحقق القطاع الحكومي والقطاع الخاص غير النفطيين نمواً تبلغ نسبتهما 1,8 و 2,8 في المئة على التوالي. دون أدنى شك أن المتابع لأداء الاقتصاد السعودي والناتج المحلي الإجمالي على وجه العموم للمملكة، وتشكيلة الإيرادات العامة للدولة على وجه الخصوص، يلحظ جلياً وبوضوح أن الإيرادات البترولية، لاتزال تلعب دوراً هاماً ورئيسياً في تشكيلة مجمل الإيرادات العامة للدولة، حتى في ظل تدهور أسعار النفط العالمية، التي شهدت أدنى مستوى انخفاض لها منذ منتصف عام (2008) بأكثر من 100%، ولكن وعلى الرغم من ذلك وكما أشرت لاتزال الإيرادات البترولية تلعب دوراً رئيسياً في تشكيلة إجمالي الإيرادات وتأثيرها تبعاً لذلك في بقية مكونات ومفاصل الاقتصاد الكلي للمملكة، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، حيث على سبيل المثال شكلت الإيرادات البترولية في العام الماضي (73) في المئة من إجمالي الإيرادات. ولكن وفي المقابل ومن باب العدل والإنصاف، إن تأثير النفط في تشكيلة إجمالي الإيرادات العامة للدولة بدأ ينخفض نسبياً وبشكلٍ ملحوظ أيضاً عن السنوات الماضية لتحل بذلك مكانها الإيرادات غير البترولية، حيث على سبيل المثال قد بلغ إجمالي الإيرادات غير البترولية في العام الماضي 163.5 مليار ريال مرتفعة بذلك من 126.8 مليار في عام (2014) أو ما يعادل نسبة تغير بلغت قرابة 29 في المئة، مما يعني أن هنالك انفراج لا بأس به في التقليل من تأثير الإيرادات البترولية على تشكيلة الإيرادات العامة للدولة. ويتوقع بإذن الله تعالى في ظل استمرار سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تنتهجها الدولة وكذلك ما أشار إليه التقرير، ما يقوم به مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية من جهود ملحوظة في التنسيق بين السياسات الاقتصادية والتنموية ووضعها في إطار متناغم، سيساعد بحول الله تعالى على بلوغ الهدف المنشود وهو التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي. المهم بالنسبة لي كاقتصادي والمأمول أن تستمر سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي القوية والمتينة التي انتهجتها الحكومة منذ تولي خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مقاليد الحكم في عام 2015، وأن لا تتراخى بأي حال من الأحوال أو أن تهدأ حتى في حال تحسن أسعار النفط العالمية، بحيث تتمكن المملكة فعلياً وعملياً أن تقلل من اعتمادها بشكلٍ رئيس على الإيرادات البترولية، التي أثبتت سواء في حال صعودها أم هبوطها تَركها لآثار سلبية للغاية على نمو الاقتصاد ومسيرة التنمية في المملكة، وبالتالي فإن تنويع مصادر الدخل القومي سيكفل للمملكة نمو الاقتصاد الوطني بشكل مستقر واستمرار مسيرة التنمية الاقتصادية بشكل غير مربك.