بصفة عامة، إعلان حالة الطوارئ: تخوِّلُ السلطة التنفيذية، ممثلة في رأس الدولة، الحكم شبه المطلق بعيداً عن القانون وحتى الدستور، لمواجهة مواقف وتحديات تهدد كيان الدولة. عادةً: ما يحدد الدستور مبررات إعلان حالة الطوارئ.. ووقتها.. ومدتها الزمنية.. وإمكانات تمديدها.. والضوابط التي تتحكم في عملية تنفيذها، ومدى السلطات التي يتمتع بها رئيس الدولة عند إعلانها. إلا أن حالة الطوارئ نفسها، في أشد ظروف اللجوء إليها تطرفاً، تعني: تعليق العمل بالدستور نفسه.. ووقف العمل بالقوانين المرعية.. وتطبيق الأحكام العرفية. دستور الولاياتالمتحدة، وإن كان يعطي الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ، إلا أنه في حقيقة الأمر يعطي سلطات للكونغرس، في حالة عدم التوافق على إعلان حالة الطوارئ، حرية عرقلة سلطة الرئيس تلك، اتساقاً مع سلطات مؤسسات الحكم الأخرى، التشريعية والقضائية. لمواجهة رفض الكونغرس الجديد، الذي يسيطر فيه الديمقراطيون على مجلس النواب.. وغضب أعضاء من حزب الرئيس الجمهوري الذي يسيطر على مجلس الشيوخ، بسبب مزاعم تنال من سلامة إجراءات انتخابه.. وتعامل إدارته مع بعض ملفات السياسة الخارجية، يهدد الرئيس ترمب باللجوء لإعلان حالة الطوارئ من أجل توفير 5.6 مليار دولار لتمويل بناء جدار فاصل مع المكسيك على طول الحدود الممتدة 3000 كم، لمنع الهجرة غير المشروعة. هناك ما يشبه الاتجاه العام في الكونغرس، بين الديمقراطيين وكثيرٍ من الجمهوريين، بعدم وجود مبررات حقيقية لبناء الجدار، مع محاذير ذلك الإجراء غير الأخلاقية وغير الإنسانية. كما أن الرئيس ترمب، كما يجادل معارضوه في الكونغرس: إنما يمارس شكلاً من أشكال الابتزاز السياسي، بربط موافقته على الميزانية وتعليق عمل الحكومة الفيدرالية، وبالتالي: وقف أجور ورواتب ما يقرب من 800 ألف موظف فيدرالي، بموافقة الكونغرس المسبقة على تمويل بناء الجدار. من الناحية الدستورية والقانونية: يحق للرئيس اللجوء لإعلان حالة الطوارئ لتوفير الموارد اللازمة لبناء الجدار، مع الإبقاء على رفضه التوقيع على قانون الموازنة الجديدة، عن طريق اقتطاع جزء من موارد وزارة الدفاع لتمويل بناء الجدار.. وإيكال بناء الجدار نفسه إلى الجيش!؟ وإن كان الرئيس، نفسه، يبدي نفوره من هذا الخيار، ويعتبره من باب حيلة المضطر. ربما سلوك الرئيس ترمب هذا تدفعه توجهات خاصة لاختبار علاقة تبدو متوترة مع كونغرس جديد. قد تكون من ضمن أجندته، توجهات لها علاقة بمصير استمراره في الحكم، غير ما يُتداول من رغبة الرئيس الالتزام بوعوده الانتخابية، حيث كان هو نفسه قد أعلن أثناء حملته الانتخابية: أن بناء الجدار لن يكلف دافع الضرائب الأمريكي سنتاً واحداً.. وأن تكلفة بناء الجدار ستتحملها المكسيك، بالكامل. الديمقراطيون في الكونغرس، يجادلون أنه ليس هناك من مبررات لإعلان حالة الطوارئ من الأساس، لأنه ببساطة: ليست هناك حالة حرب مع المكسيك. بالإضافة إلى محاذير ذلك الإجراء الأخلاقية والإنسانية.. وعدم جدواه العملية. في الوقت، الذي يتفادى فيه الديمقراطيون الإعلان عن خططهم لمواجهة احتمال تنفيذ الرئيس ترمب لتهديده إعلان حالة الطوارئ. هم يعولون على جمعِ تأييدٍ كافٍ لهم، خاصةً، وفي مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، قبل أن يكشفوا عن خططهم المضادة لمواجهة احتمال لجوء الرئيس لإعلان حالة الطوارئ. لخصت موقف الديمقراطيين هذا زعيمة الأكثرية الديمقراطية في مجلس النواب (نانسي بيلوسي)، بقولها: ليعلن الرئيس حالة الطوارئ أولاً، وعندها لكل حادث حديث. احتمال ضئيل أن يلجأ الرئيس ترمب لخيار إعلان حالة الطوارئ لبناء الجدار، خارج التفاوض لحل أزمة الميزانية وتعليق عمل الحكومة مع الديمقراطيين، خاصةً أن الرئيس نفسه، لم يلجأ لتمرير تمويل بناء الجدار في فترة سيطرة الجمهوريين السابقة على الكونجرس بمجلسيه. في حالة لجوء الرئيس لخيار إعلان حالة الطوارئ، فإن ذلك معناه: بدء معركة سياسية وقانونية مع الديمقراطيين، قد يخسرها في جولاتها الأولى، إلا أنه لا يضمن حسمها في المحكمة الدستورية العليا، حيث سيطرة الجمهوريين. الأمر المؤكد، في هذه الأزمة، هو: دخول الولاياتالمتحدة واحدة من أعقد أزماتها السياسية، ما لم يتخلَّ الرئيس عن «تكتيك» اختبار كونغرس لا يتمتع فيه بشعبية وهو يواجه مشاكل حقيقية تتضمن تحقيقات قضائية، تنال من مصير استمراره في البيت الأبيض. اللجوء إلى خيار إعلان حالة طوارئ غير متفق عليها، بين الرئيس والكونغرس، يعكس حالة عدم استقرار كامنة في بنية النظام السياسي، لا تستبعد احتمال استغلال السلطة لتحقيق أهداف ذاتية، قد تعكس توجهات مستبدة تتحدى صيغة الفصل بين السلطات... والأهم: تحدي قيم الليبرالية، التي تستند عليها شرعية النظام السياسي الأمريكي. حقاً ما قاله رئيس وزراء بريطانيا العتيد ونستون تشرشل: الديمقراطية هي الأفضل من بين جميع أنظمة الحكم السيئة. * كاتب سعودي [email protected]