«على 10، على 10، كله على 10».. هذا النداء اللطيف الظريف الذي يعدنا بسعر قليل مقابل عدد مختلف من البضائع ذات الأحجام والأشكال المختلفة التي تشترك بخلاف السعر الموحد في تواضع الجودة. وتُعرض هذه البضاعة في بسطات في الأسواق الشعبية، ولها خاصية التحول المفاجئ إلى زنبيل كبير (الزنبيل هو صرة كبيرة باللهجة الحجازية) ويقوم البائع بسرعة الصاروخ بالهرب بزنبيله من مفتشي البلدية. وهنا لا بد أن نشكر مفتشي البلدية على المجهود الضخم في ملاحقة هؤلاء البائعين حرصاً على مصلحتنا وخوفاً علينا من التعرض لأخطار البضائع غير المضمونة الجودة، رغم تعرضهم لتطاير عشوائي للمدس (جمع مداس) والعُقل والأشمغة في موقف سيريالي مشهور. رغم سعادتنا كمستهلكين بالأسعار الرخيصة وانجذابنا إلى حلم الحصول على الجودة بسعر منخفض، فإن الدولة لا تسمح بتعرضنا لمخاطر حتى لو كنا نريد ذلك. وفي موضوع آخر مختلف لكن مشابه بغرابة، أود أن ألفت النظر أن رؤية 2030 لن تتحقق إلا بأيدي المستثمر السعودي والمشغل السعودي والطبيب والفني والممرض السعودي. ولذلك لا بد أن تقوم الدوله بدراسة وسائل تحفيز النمو والتوطين. وأهمها القدرة على التنافس وعدالة الأسعار، حتى تستطيع أن تضع يدها على أهم مؤثر ومحفز في قضية التوطين. وهنا أستطيع أن أجزم أن هذا الملف هو الشغل الشاغل لكل مسؤول حكومي، كما لا شك أن هناك تعاونا كاملا من القطاع الخاص، ولكن النوايا وحدها لا تكفي. القطاع الخاص بنى هيكل أسعاره على تكلفة تعتمد على العنصر الأجنبي الذي كان أقل تكلفة قبل رسوم العمالة. وبعد هذه الرسوم تعثر الكثير من الشركات في القطاع الخاص الصحي بسبب عدم قدرتهم على رفع الأسعار، واستمر البعض الآخر بهامش أرباح أقل كثيراً. ولكن لا زالت تكلفة التوطين أعلى من تكلفة العمالة الوافدة وهو أمر مفهوم وأيضاً مقبول. ولكي يستطيع القطاع الصحي التوطين لا بد أن نتخيل أن أبناءنا الأطباء العامين سوف يعملون في مركز صحي بكشف 10 ريالات! وهو سعر حقيقي حالياً مقدم من بعض مقدمي الخدمة اضطراراً وليس اختياراً. ومن المفارقة أن الاهتمام بمقدمي الخدمة الذين يحصلون على أسعار مرتفعة هو الأكثر صخباً واهتماماً، في حين أن مقدمي الخدمة من اضطروا لتقديم أسعار غير منطقية بأي تقدير، هم الأولى بالاهتمام. والعجيب في الأمر أن تكلفة متطلبات الجودة وسلامة المرضى والدفاع المدني وإدارة الالتزام وهيئة التخصصات ورسوم العمالة والتكلفة المضافة كلها زادت، ولا زال هناك من يقدم خدمات بأسعار لا تلفت انتباه أي أحد من أي جهة. وكيف نتوقع أن يحصل أبناؤنا من الأطباء على فرص بعشرة ريالات للكشف؟ صدقني «دا ولا تمن الزنبيل» الذي حمل فيه هذا الطبيب كتب سنوات الدراسة الطويلة. أقل سعر للاستشاري هو 300 ريال سعودي، وللأخصائي 200 ريال سعودي، والطبيب العام 100 ريال سعودي. غير ذلك أي كلام عن التوطين وسلامة المرضى وجودة الخدمات الصحيه غير واقعي، بزنبيل أو من غير. * طبيب وكاتب ومدير تنفيذي @hazemzagzoug