غدت مضرب مثل لكل فرد من أهل القرية، وعندما يريد أحد الأزواج أن يغيظ زوجته يقول لها «أربّك كما عطرة. الله لا يدخل الكلب المسيد» فترد عليه «عقلك رأس خشمك. عشان الديرم اللي في براطمها، وكُحلتها اللي تمدها إلى شحمة أذنها» فيضحك ويقول «باسم الله عليك. صاخ إبليس، عُذ بالله من العجلة، والله يرحم آبي كان رهق». وهب الله (عطرة) عاطفة تكفي لنشر المحبة والسلام بين الناس، سخية الكف خصوصاً للأطفال، بشوشة الوجه، عفّة اللسان، وصولة للرحم، يقسم كبار السن بأنه لم يدخل قريتهم امرأة بمثل هذه النظافة والرقة، ولم ينس أحد أيام زفافها إذ كانت أول عروس تزف على جمل من قريتها البعيدة، فيما حمل بعيران المقاضي، فرش وأوانٍ، منها جودري أحمر ولحاف ومبخرة. كان العريس محتزم بجنبية عمانية، واستقبل الجمل أسفل القرية، وتناول الخطام من شقيقها، وطلع بالجمل، من وسط الدار متباهياً. برّك الجمل وسط الساحة، فخرجن نساء القرية مرحبات والدفوف تحنّ (يا مرحبا من خاطري عشر في عشر، يا ذهب السلطان في عالي القصر) كان المعصب الأصفر على وجهها يشف كحلة العين، ولم يتمالك الشاعر نفسه فشرع يمد الطرق (يا بندقة نيمسية، ومسبتك ليّتينا). ليلة الجمعة تحرص على تبخير المسيد. تنتظر حتى يخرج المصلون من صلاة العشاء، وتدخل بمبخرها وتطوف بأرجائه وشرشفها الأبيض ينشر البياض فتخجل القازة ويخفت ضوؤها. كان اسم (عطرة) على مسمى، فالعطر النادر يشق بأريجه فضاء المساريب كل مساء. كانت زوجةً ودوداً، إلا أن الله لم يقسم لها من الذرية نصيباً، تسبب لها زوجها عند الأطباء الشعبيين، وحمل لها وصفات من كل بندر وسوق، ولكن اللي ما يكتب عسر، أصابها مرض غريب نفخ بطنها، وظن الزوج أنه مولود قادم، بل كان لديه قناعة أنه جنين في بطنها، وبعض السيدات أقسمن أنها حامل بأكثر من واحد. صباح الجمعة الجامعة، ووقت الدعوة السامعة، استيقظت القرية على شبح مخيف يخيم على أبواب البيوت، والأصوات تلهج «يا رحام يا الله ما يدوم إلا الله». كان الزوج المكلوم ينتظر حتى ينام الجميع، ثم يتسلل إلى المقبرة ويلصق أذنه اليسرى بالثرى. علمي وسلامتكم.