وقف الفقيه في المسراب، وكلما مرّت عليه سيدة أو بنت استوقفها، احتج المؤذن: وشبك كل ما لقيت لك مرة وقفتاها بقربتها فوق ظهرها، وانفلت لسانك: أنا فدا بطنك، أنا فدا بطنك؟ ردّ عليه: منين تسمع يا سمي الديك، والله لو تلحقني كلمة منك ما عاد تقول (أ) من فوق المسيد، وإني لأندرك بأذنك. اعتذر المؤذن، وانحنى وقبّل ركبة الفقيه، وحلف أنه ما يتعاودها، هدأ الفقيه وقال: لا تنس ما وظّفك مؤذن إلا آنا مع أني أعرف خباياك، وأردف: أتهرج معهن بقال الله، قال رسوله، قال المؤذن: لكني شفتك أمسي تقبّع على البيبان آخر الليل خصوصاً بيت الأرملة الميتّم. تيقن الفقيه أن المؤذن عرف سرّه، ولزمه من الكف اللي تعوّره، لكنه لم يضعف، وانفعل عليه وشتمه وقال: عوّدت في مراغتك يا ربيطة، قم أذّن للمغرب. صلى بهم الفريضة وتمتم بتسابيح من طرف اللسان، ولزم مكانه حتى فرغ المسيد، خرج يطرق الأبواب منبهاً بدخول العشر. توقف أمام منزل شاعر القرية ثقيل السمع، وكرر عبارته: دخلت العشر، فردّ الشاعر عليه: أي حشر حشروك يا فقيه الدمنة. جمعت الجدة رفعة أحفادها وحفيداتها في حضنها، وقالت: يا سفاني بكرة أوّل الوقاف، دخيلكم لا تحذفون طير، ولا تكسرون عود، ولا تمدون أيديكم في حق غيركم، ولا تؤذون دجاج الجيران، ولا تحذفون بسة، ولا تطاردون كلبة، ولا تقصون أظافيركم ولا شعرانكم، وأنتن يا صبايا لا حناء، ولا كحلة حتى ونذبح عيدنا. سأل الحفيد الشقي جمعان: ليش يا جدة؟، أجابت: دخلت أيام الوقاف يا حبابي، علّق: وباقي الأيام ما هي وقاف؟ فقالت: اللي يسوي شيء من اللي حذرتكم منه يختلّ عقله، سمعتم يا صُفّة أرباطعش؟ سرحت الأم صباحاً لتجلب الشيدة، استعداداً لاستقبال العيد الكبير بخلب الجدران، فيما انطلق جمعان يكسر، ويرجم العصافير، ويقنص القطط تحت الشاحنات بالنبّالة، عاد للمنزل مع المغرب يرتجف، غمروه بالبطاطين، وهو يردد «لاهلّت العشر قل يا الله مع الواقفين، العيد مربوط والقفة ملانة طحين».. علمي وسلامتكم.