خلب النساء بيوتهن بالشيدة البيضاء، وبعضهن أدخل رسومات في الجدران بأصباغ ملونة، وكنسن الساحات، ورشينها بالماء، مددن شراشف منقوشة على المساند والمتاكئ والمخدات، وكل واحدة حريصة على تذكير الخياط عم أحمد بإتمام خياطة ثوب العيد. خياط القرية واثق أن الشهر ثلاثين يوما، ومن كثرة العمل واصل ليله بنهاره، وقرر أن يرتاح ليلة ثلاثين ويستأنف عمله صباحاً، ومع خروج الجماعة من صلاة العشا سمعهم خارجين بعرضة من المسيد ومرددين (مشعالنا مشعال عيد، يتلحّق أطراف السما). تقاطر صبية وبنات على بيت عمّ أحمد. طلب من زوجته تضبط له دلة قشر، والأطفال متقاطرين من عند الباب إلى قرب دعسة ماكينة الخياطة، وعيونهم مركزة على الإبرة التي تصعد وتهبط في القماش، بعضهم أطربه الصوت فنام. عادوا مع منتصف الليل إلى بيوتهم، وصفّت الأخوات الكبيرات إخوتهم الصغار طابور أمام طشت الاستحمام، وكان الصبيان يشعرون بالحرج، ويضعون كفوفهم على ما يجب ستره، فيما تتسبب رغوة الصابونة في تدميع العين، فينشغل بين ستر عورته وبين فرك عينه الملتهبة. كل يأخذ ثوبه وفانيلته وسرواله وغترته وعقاله في حضنه وينسدح. استيقظ أبو سعيد بعد منتصف الليل، وفتح المذياع وإذا بصوت طلال مداح (ضحكة فرح من كل قلب في أحلى عيد) رفع الصوت، فخرجت أم سعيد لتطلب تخفيضه، لم يرد عليها، وطلب منها تولّع فحم، وتضعه في المبخر، وقبل أذان الفجر طلب من سعيد أن يصر خشب العودة في يده، ولا يضعها إلا عندما يدخل المسجد. سعيد وِحِلْ في المشوار، المساريب مظلمة، فطلب من شقيقته عزة تساعده ليتسلق جدار جارهم سعدي، ويمر من فوق بيتهم وينزل في ساحة المسيد، دخل ولقي الإمام والمؤذن يكبران، وضع المبخر في المقدمة، فقام الفقيه يتبخر، وأدخل المبخر تحت ثوبه، فصاح عليه المؤذن «البخور لشعر الوجه ما هي لشعر ....». مع شروق الشمس كان البياض يغطي الطرقات، البعض مرّ بالمقبرة يغرز القبور، وآخرون مرّوا يعايدون أقاربهم في طريقهم للمشهد، وبعد الصلاة معايدات، وغداء في بيت العريفة، أعقبته العرضة «يا الله تعيّدنا رضاك، يا واحداً ما لك شريك» فيما النساء في حوش كبير وأنغام الدفوف تبلغ أسفل القرية «يا عيد يا عواد يا بو العوايد، علمتنا الحنا ونظم القصايد». عاد عيدكم.