منذ أسبوعين، وعلى مدى يومين، عقد في مكةالمكرمة مؤتمر عالمي تحت عنوان: «الوحدة الإسلامية.. مخاطر التصنيف والإقصاء»، وقد افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، وشارك فيه العديد من علماء المسلمين من كافة أنحاء العالم بأوراق بحثية تناولت أسباب الانقسامات في العالم الإسلامي وتداعياتها وسبل مواجهتها، وتأكيد الوحدة الإسلامية، وقيم التعايش المشترك. فالعالم الإسلامي في وقتنا الراهن يمر بفترة حرجة للغاية، ومن ثم أكد المشاركون في هذا المؤتمر ضرورة وأهمية بل وحتمية الوحدة الإسلامية، مع التأكيد على أن الاختلاف في الإسلام ظاهرة صحية تؤدي إلى الرحمة والتيسير، وهذا الاختلاف والتنوع إنما يكون في المتغيرات لا في الثوابت. وقد شدد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل على أن علماء الأمة الإسلامية تقع عليهم مسؤولية كبيرة في توحيد العالم الإسلامي، وتجديد الخطاب الديني، ومواجهة ثقافة الكراهية ونفي الآخر. كما أكد الدكتور يوسف العثيمين الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي على دور المنظمة في الدفاع عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية والسعي إلى وقف الصراعات والحروب القائمة في كثير من الدول الإسلامية، بالإضافة إلى مواجهة الحملات المغرضة ضد الإسلام. وأشار الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى أن السبب الرئيس وراء ظهور عدد من السلبيات التي تعاني منها الأمة الإسلامية في عصرنا الراهن إنما يكمن في غياب الحوار المنفتح، وكذلك السجالات العقيمة بين المذاهب والطوائف التي لم تعد على الأمة الإسلامية إلا بالمفاسد والشرور. ومن ناحية أخرى، أكد سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل الشيخ مفتي المملكة على أهمية دور العلماء المسلمين في مواجهة الإرهاب والتطرف، الذي يؤدي إلى دمار المجتمعات، كما شدد على ضرورة ترسيخ وتعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة. جهد مشكور لعلماء الأمة، ورعاية طيبة من حكومة خادم الحرمين الشريفين، ولكننا ننتظر من مشايخنا وعلمائنا أكثر من مجرد توصيف الداء، ووصف الدواء، إذ كنت آمل أن يتمخض هذا المؤتمر العالمي المبارك عن آليات ملزمة، ومبادئ تلتزم بها الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وأن تكون هناك آلية لمتابعة تطبيق ما توصل إليه المؤتمر من نتائج وتوصيات. كما كنت – وما زلت – آمل أن تتبنى وسائل الإعلام في الدول الإسلامية منهجا إعلاميا يسعى إلى وأد الفتن، وعدم إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ولنجتمع على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فإلهنا واحد، وكتابنا واحد، ورسولنا واحد، وقبلتنا واحدة، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا. أحلم بأن أرى في فضائيات العالم الإسلامي – وما أكثرها – وفي صحفها، بل وفي مطبوعاتها ما يعمق من الانتماء الوطني دون أن يمس الثوابت، وما يكرس في السلوك من قبول للتعايش مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، فلو شاء الله سبحانه وتعالى لجعلنا – وهو قادر على ذلك – أمة واحدة. بارك الله في علمائنا، وشكر الله تعالى لولاة أمرنا وقادة بلادنا جهودهم في محاربة التطرف، والسعي إلى وحدة الأمة كلها.