عندما نتابع نشرة الأحوال الجوية فإن أهم فقرة فيها تلك التي تتعلق بدرجات الحرارة، يستعرض مذيع النشرة خريطة الإقليم والعالم، ثم يبدأ في التعريف بتلك الدرجات بنوعيها العظمى والصغرى، وللعلم فإن درجة الحرارة الصغرى تقاس بعد الفجر عند أدنى مستوى لها خلال 24 ساعة بخلاف العظمى والتي تقاس في وضح النهار بين الساعتين الثانية والرابعة مساءً. ما علاقة ذلك بالعنوان؟ العلاقة بسيطة وواضحة لأولي النهى، أصحاب العقول التي يقع عليها التكليف، أما من «أخذ الله منه ما وهب فيسقط عنه ما يجب» فقطر ومنذ أمد ليس بالبعيد تقارن حضورها وتأثيرها بالسعودية، تاريخاً وجغرافيا وديموغرافيا، هذه المقارنات التي وضعتها قطر هي التي أوصلتها إلى هذا المأزق التاريخي وغير المسبوق في العلاقات الدولية. قبل أيام أعلنت قطر انسحابها من الأوبك منظمة الدول المصدرة للبترول، معللة ذلك برغبتها في التركيز على الغاز كمنتج رئيسي يغنيها عن النفط ومنظمته، هنا صورة من صور المناكفة السياسية للسعودية، وفي أجلى قوة تتمتع بها الأخيرة، وهي النفط، وهنا نطرح السؤال المعتاد: ما الذي تستفيده قطر إستراتيجياً من الحقد على السعودية ومقدراتها؟ الوضع كان يدخل سابقاً في إطار المناكفات والمماحكات، واليوم يتضح جلياً أن الساسة القطريين يضمرون كل أشكال الحقد والضغينة لكل ما هو سعودي أرضاً ومقدرات وربما شعباً! ونعيد ونقول لماذا يا قطر؟ في المقابل عندما تتحدث قطر مع إيران أو يأتي ذكرها فإن السياسة القطرية تؤمن هنا بالذات، بأبعاد التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وتؤمن بأن إيران شقيقة كبرى طاعتها واجبة تحت شعارات فارغة اسمها المصالح المشتركة! مع السعودية الوضع ليس مختلفاً فحسب، بل منقلب حسب المفهوم القطري رأساً على عقب، فالسعودية -من وجهة النظر القطرية الأصيلة- عدوة للإسلام والمسلمين ودولة مارقة يجب احتواؤها وتقليم قواها ونزعها من كل أشكال السيادة تحت ذرائع واهية وحجج بالية تجعل المواطن السعودي البسيط يستشعر وقع الخطر القطري وضرورة تفاديه بكل الوسائل المتاحة. وبعد عام ونصف من المقاطعة مع قطر يتضح للمواطن السعودي أن الدوحة ماضية في حلمها الشيطاني بمحاولاتها اليائسة الواهية على تدميره، قبل أن يكون مواطن دولة خدمت ومازالت تخدم الإسلام والمسلمين في نواحٍ كثيرة، شواهد ذاك حاضرة وجلية لا تنكرها إلا قطر ومن أمرها ودفعها واتبعها. الساسة القطريون يعيشون وهماً اسمه إيذاء السعودية، لذلك تراهم يتجهون إلى أي كتلة دولية تتيح لهم فرصة الظهور والتجلي، وما علموا أن أي حضور لهم مهما كان مهماً من وجهة نظرهم، فإنه يظل كدرجة الحرارة الصغرى تقاس والناس نيام، ومهما علا شأنها فإنها تظل مجرد رقم يزول مع توسط الشمس كبد السماء ليعلن عن الرقم الأعظم الذي يضبط الناس على وقعه تحركاتهم وذهابهم ومجيئهم، فشتان بين حضور والعالم نيام وبين حضور في رابعة النهار.