فقدت الصحافة السعودية والعربية الأستاذ عبدالله عمر خياط، أقدم كاتب عمود صحفي، إذ وافته المنية إثر أدائه صلاة العشاء ليطوي سجل زاويته اليومية مع الفجر، والتي تناولت قضايا وطنية وعروبة وإسلامية. ويؤكد ابنه طارق ل«عكاظ» أن الراحل دخل المستشفى منذ أسبوع وغادرها في وضع متحسن وطلب مساعدته لأداء صلاة العشاء فلقي وجه ربه. فيما عبر رئيس تحرير عكاظ الأسبق الدكتور هاشم عبده هاشم عن حزنه العميق بهذا الفقد واعتذر عن تناول شيء من سيرة الراحل كون التوقيت غير ملائم والخبر يلجم أي قدرة عن التعليق. ويصف الكاتب قينان الغامدي الخياط، أنه أحد رموز المناكفة الصحفية، وعده كاتب موسوعي ومن أشهر كتاب المقالة اليومية لما يقارب ستة عقود وكشف الغامدي أنه كان مسؤولاً عن إجازة مقالته الأسبوعية في «عكاظ» التي يكتبها بالحبر الأخضر ولَم يغب عن ذهن أبي عبدالله روح الدعابة التي تمتع بها الخياط ومهارته في تفادي ما يمنع مقالته من النشر، مشيراً إلى شخصيته الودودة والجديرة بكل احترام كونه برغم تاريخه الصحفي الطويل يتعامل بلطف دون أنفة ولا كبرياء، ويرى أن رئاسته لتحرير عكاظ كانت دفعة قوية نحو العمل الصحفي الميداني، وعده أقدم كاتب عمود في المملكة واستحق التكريم في القاهرة بمناسبة اليوبيل الذهبي للمقالة فكان أحد دهاقنتها عربياً، وأضاف أن ما تركه الراحل من مقالات وكتب توثق مرحلة مهمة من تاريخ الصحافة السعودية إذ أنه كان ينفرد بحوارات مع الملوك والرؤساء. وتذكر نائب رئيس تحرير عكاظ السابق علي مدهش عن سيرة العمدة الخياط متسائلا كيف أترحم على أستاذي عميد الصحافة الكبير عبد الله عمر خياط، والذي أطلق قلمه على ورق عكاظ زهاء ستة عقود من الزمن في ظل عموده اليومي الموسوم «مع الفجر» دون انقطاع وحتي آخر نفس مع الحياة ليغيبه الموت قبل أن يبهج نفسه بجديد ماكتب لفجر هذا اليوم ؟! كيف أترحم على أستاذي الذي وثق بي ككاتب واعد وحملني على أكتاف عموده اليومي دون غيري من الزملاء لأكتب نيابة عنه في غيابه عندما كان رئيسا لتحرير عكاظ قبل منتصف الثمانينات الهجرية ؟! قد أستطيع أن أبوح بأدمعي فقدا لمعلمي الأول في حياتي الصحفية، ولكن لا أستطيع أن أدع أوجاعي تتكلم وتعبر عما يجيش في نفسي من آلام الفقد لهذه القامة الرمز وبعظمة كاتب كبير في عطائه وخدمة بلاده وفي إنسانيته ونبل وكرم أخلاقه. رحمك الله أبا زهير.. فقد عشت رجلا معطاء في كل شيء وإلى جنة الخلد بإذن المولى القدير. من جهته عبر الدكتور فؤاد مصطفي عزب عن مشاعره حيال رحيل الرمز الخياط قائلا: لا يمكنني أن أتصور حجم الفراغ الذي سيتركه أبوزهير، الزمن يراكم، بينما الذاكرة تختار، أنها انتقائية، تحتفظ بالأساسي، وتهمل الهامشي، وتهديه للزمن كي يتفاعل معه، أبوزهير لن يقوى عليه الزمن، لأنه شخصية أقوى من النسيان، وأكبر من الزمن، مدافن الأحبة هي القلوب، ومدفن أبوزهير هو قلبي الذي سيظل يردد كم أحببتك واحترمتك يا أبازهير. فيما قال رئيس تحرير صحيفة البلاد السابق علي حسون، الله يرحم أبوزهير لقد كان رجلا صحفيا بكل مفهوم الصحفي الباحث عن كل مايتعلق بالصحافة سلبا وإيجابا، ولفت إلى أن الخياط حرص على أن لا يبتعد عن الكلمة كون في لغته ما تصالح عليه صحفيا بالمناكفة إلا أنه كان يقول من لا يريد أن ينسب إليه قول لا يتحدث بذلك أمامي. عبدالله عمر خياط سيرة قلم ومسيرة حياة كاتب صحفي ورجل أعمال تخصص وعمل في مجال الصحافة والطباعة والنشر. - ولد عام 1358ه بمكةالمكرمة. - بدأت علاقته بالصحف والمجلات عام 1381ه، بكتابة عمود يومي ومقال أسبوعي في صحف البلاد، وعكاظ، والجزيرة، إلى جانب إسهاماته المتعددة في مجموعة الجرائد والمجلات السعودية والمجلة العربية، وقد تدرج في الوظائف خلال مسيرته الصحفية على النحو التالي: - محرر أول بشرطة العاصمة المقدسة في الفترة من 1/7/1357ه إلى 30/12/1379ه. - سكرتير مكتب جريدة البلاد بمكةالمكرمة من 1/1/1380ه حتى 25/2/1382ه. - مدير مكتب البلاد بمكةالمكرمة من 26/ 12/1383ه حتى 15/1/1384ه. - مدير تحرير جريدة عكاظ في العام الأول لتأسيسها من 21/6/1384ه. - رئيس تحرير «عكاظ» من رجب عام 1385ه حتى 29/12/1390ه. - صحب الملك فيصل بن عبدالعزيز كصحفي في معظم زياراته الرسمية للبلاد العربية وبلدان أفريقيا وبعض الدول الأوروبية. - أول صحفي سعودي يجري حديثاً شاملاً مع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، عن مجلس الشورى ونظام المناطق. - صدرت له سلسلةٌ من الكتب والدراسات تناولت بعضاً من قضايا المجتمعات العربية في «المدمن.. أنا»، «هيروين على الشفاه» ثم كتابه القيم «الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه»، واختار للقارئ بعضاً من روائع المتنبي في كتاب لا غنى عنه لمحبي الشعر، كما كتب «النزاهة الشامخة» عن سيرة فقيد الأدب العربي الأستاذ الأديب محمد عمر توفيق رحمه الله، وفي الجانب السياسي أصدر كتابه «النصر.. نحن صنعناه» متعرضاً فيه لاعتداء صدام حسين على دولة الكويت ومواقف المملكة في دحر العدوان وتحرير الكويت.. كما أصدر أيضاً كتابه القيم «الصحافة بين الأمس واليوم»، الذي تابع فيه نشأة الصحافة ومراحل تطورها. - تقلد الكثير من المسؤوليات الصحافية والثقافية تمثلت في: - عضويته كمؤسس بمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر منذ 1384ه. - عضو مجلس إدارة مؤسسة عكاظ 1404ه. - عضو اللجنة التنفيذية بمؤسسة عكاظ. - أحد مؤسسي مجلة «كاريكاتير» التي تصدر في القاهرة. - عضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة. - عضو نادي الكتاب بجريدة الأهرام. - عضو نادي مكة الثقافي الأدبي. قالوا عنه «كوزير إعلام سابق أعرف معنى أن يتجرأ صحفي ليدخل في حياة رجل له دوره السياسي منذ شبابه مثل الملك فهد، في تلك الفترة الملك فهد ما كان أحد وهو شاب يستطيع أن يدخل ويناقشه في قضايا كان يشعر الناس من الخطورة الحديث عنها، مجلس الشورى أو نظام الحكم أو الأوضاع الداخلية فترى شاباً يتجرأ ويكسب الثقة ويدخل إلى هذا الجو ثم يقدم إلى القراء مجموعة من القضايا مطروحة شجعتهم بل أقول شجعت كثيراً منهم على الحديث في هذا الأمر الذي كان ينظر إليه على أنه ممنوع، فكسر الحلقة عبدالله خياط وتقدم بجرأة واستطاع أن يقدم للصحيفة دفعات كبيرة لأن الناس شعرت بأن هذا الرجل يستحق أن يقرأ وأن هذه الصحيفة تستحق أن تقرأ.. الأستاذ عبدالله خياط من الصفوة الذين كانت لديهم القابلية والرغبة في العطاء والجرأة في العطاء، وهذا ما أضفى على عبدالله خياط هذه الروح الصحفية التي لا تتحدث إليه إلا تشعر أنك تتحدث إلى صحفي» محمد عبده يماني «الأستاذ عبدالله خياط صاحب أسلوب متميز، لا أدَّعي أنه أسلوبٌ ساخر، ولكنه يمزج بين الجديَّة والسخرية، ويربط بين الواقع وبين تصوُّراته وتحليلاته الخاصَّة، كما أن له نظرة ثاقبة لكثيرٍ من المسائل الاجتماعية يغوص فيها بعين الحصيف ودراية الخبير.. وكم استمتعنا بأفكاره النيِّرة ومداخلاته التي قد يحاول أن يجرَّ من خلالها الحوار إلى رأي يناصره، أو فكر يدعو إليه، مما أكسبه صفة المحاور الجريء، وجعل حضوره بارزاً في معظم اللقاءات الثقافية والفكرية، ولآرائه التصادمية طعماً يختلف عن غيرها، وبالتالي غالباً ما تكون مجال أخذ ورد في كثير من المجالس، وعلى صفحات بعض الصحف. ولم يقتصر نشاطه على العمود الصحفيِّ، بل تعدَّاه إلى تأليف كتبٍ ذات صبغة اجتماعية وبعدٍ ديني، ومن الطبيعي أن نلمس هذه النزعة في واحدٍ من أبناء ومثقفي مكةالمكرمة، مهبط الوحي ومنبع النُّور، فقد ترك المجتمع المكي بعظمته الخالدة آثاراً واضحة في صميم كلِّ أبنائه إلا من شذَّ ولا حكم له.. وما مؤلفاته التي وردت في ترجمته إلا مثال على وعيه وتفاعله بمجتمعه والتزامه برسالة المثقف تجاه الوطن والمواطنين». عبد المقصود خوجه «الأستاذ عبدالله خياط عندما تقرأه تحس بصدقه، قد تتفق معه في رأيه أو لا تتفق لكن حقيقة تحس أنه يكتب بإحساسه وبمشاعره، لعلَّ من ميزات الأستاذ عبدالله خياط أنه عندما بدأ كتابة عموده اليومي لم ينقطع على مدى سنوات وسنوات طويلة ويندر أن نجد كاتباً بمثل هذا الاستمرار يماثل الأستاذ عبدالله خياط، هنالك طبعاً الأستاذ عبدالله جفري، وكتاب عرب، ولكن الأستاذ عبدالله خياط حتى وهو مسافر نجد أن عموده لا يغيب، وأحياناً اتصل به عندما أقرأ مقالاً ثم أجده قد سافر لعدة أيام وعموده ثابت ومستقر في الجريدة، رغم أن الكتابة كما يقول د. غازي القصيبي «انثى ذات تبريح» إلا أنني أحس أن الأستاذ عبدالله خياط كأنه يعزف نغماً جميلاً وهو يكتب ولعلَّه لا يستطيع أن يترك الكتابة سواء في زاويته أو في مقالاته المطولة.. الذين يعملون بالصحافة ويتركونها نجدهم يبتعدون عن الصحافة في الكثير وفي الأعم، ولكن الأستاذ عبدالله خياط ترك الصحافة كمهنة ولكنه تمسك بها كاتباً مجيداً ومبدعاً». حمد القاضي «في زمالتنا (للعمدة) عبدالله خياط: تذوَّقنا طعم النجاح الصحافي، والكتابي.... وكانت (عُمُودِيَّته) الصحافية تُنضج الخبطات الصحافية، وكان حسه الصحافي: (يُشمشم) الأخبار الجديدة والهامة.... ولا يكتفي بذلك، بل عُرف عنه تفجيره للقضايا والأسئلة التي تلامس المجتمع، وتلتصق بمصالح معاشهم.. وأهم معاركه تلك: قضية الكهرباء المعروفة! وكان مُحباً لتنويع صفحات الجريدة، وكانت «الصفحة السابعة» إحدى نغماته، أو هي (مازورة) من أجمل ما أبدع صحافياً.. كان يتحسس فيها التثقيف، والاطلاع، واختلاف الأذواق في القراءة والكتابة، وذلك من خلال إسناد مسؤولية هذه الصفحة لمحررين متعددين يتناوبون على إعدادها يومياً. وكان شغوفاً بالإثارة الخبرية، أو لعلَّه هو الذي (وثَّقها) في صحافتنا المحلية.. ولكنها إثارة في حدود الفعل الصحافي!» عبد الله الجفري