عالق بين السماء والأرض، يتذبذب رأسه كمن علق بحبل وتُرك للريح تتلاعب به، يهوي رويدا إلى اللاشيء، إلى حيث الفراغ المخيف.. يزحف تارة حاملا أحشاءه المبعثرة حيث كان، وتارة يتدحرج كمجرة تائهة سلبت منها الحياة، رائحته النتنة تملأ المكان، يقتلع عينيه بأصابعه في محاولة منه لرؤية شيء في هذا الظلام ثم يعاود إعادتها في محاجرها فتغوص داخل تجويف جمجمته الكبيرة فتعجز أصابعه عن اللحاق بها مجددا. لا شيء سوى الظلام، ذلك المحيط الذي لا يرفض مريديه، السواد هو الشيء الحقيقي المحيط به، يسبح تارة وتارة أخرى يجلس القرفصاء ليعاود ابتلاع أحشائه التي تقيأتها الأرض من جديد. يزحف باحثا عن جيف الكلاب الضالة ليأنس بالقرب منها، ويعاود الاختباء بين القبور كلما سمع زحف الجنود حاملين أحد القتلى. يضع أصبعه في أذنيه كي لا يسمع همسات الموتى الصادرة من القبور المتناثرة هنا. شيء ما يخرج من أذنيه كالصديد كلما حاول سدهما، يغطي وجهه بكفيه في محاولة أخيرة للاختباء. تفر روحه أمامه فيحاول اللحاق بها، مشردا، منبوذا هو حتى في حكايا الجدات التي تخوف بها الأحفاد من السير ليلا بالقرب من المقابر أو الخروج بمفردهم في الظلام، كلما أوى إلى جانب قبر ترددت حوله الهمسات (هذا من باع وطنه...) يجلس القرفصاء بعيدا ليعد قبور شهداء اليوم الأخير، بينما تتعالى أصوات القذائف وصرخات الجنود مبشرة بنصر قريب.. * شاعرة وروائية وقاصة سعودية