عندما ينتحر الورد تغيب الأغاني الجميلة وتنكسر الفراشات لبوح المطر ذلك ما لاح له في افقه فقد أنهمرت جبهته الغليظة التي اشرأبت منها التجاعيد وحاول أن يطأطئ رأسه من خلالها حتى كادت أن تهوي منه عبر تلك الزاوية الضيقة الأفق وخلع جلده بتمعن فيه رغبة عاتية بل جامحه لذلك الشوق الهادئ الذي كان ينتظر هامته الصامتة والمضطربة وأعطى لمركبتة الفارهة لحظة انطلاقه ليعد بعدها ثوانيه قبل دقائقه . كان في تلك البرهة يرى رقصات زمنه الحالم بمرارة في معصم يديه بالرغم من توشحه للصبر في هذه الليلة من ليالي الخريف ، فكم هو جميل هذا الفصل من العام لديه فكل شيء فيه يتلون كالحرباء من خلال أوراق يودعها كل صباح نائمة على تلك الشجرة الباسقة المعطاءة .خرج من حلزونية أفكاره إلى تلك القرية الباردة المزروعة بين أحضان طبيعة خلابة جبال تحيط بها مكسوة بكل ما في عيني نصفه الآخر من خضرة ونهر فيروزي شامخ معطاء أوله جدول هادئ ومنتهاه شلال ضوء يتدفق من بين تلك الأيدي الحزينة التي كانت في يوم من الأيام تبيع الورد على مشارف الشفق شعر حينها بارتعاشة باردة فجلس القرفصاء وهو يحاكي ذلك الجبل الشاهق الذي يتوعده دائماً بأن يأخذه بعيداً عنه فوق هام السحب ليكون أشهق منه، صراع بين مفترق الطرق يدمي آدميته التي كاد أن ينطوي عليها ويتبرأ منها . همسات ذلك الصوت المتهدج تنساب إلى بحر أذنيه بهدوء حاول مراراً أن يحجب ذلك التدفق عن جمجمته التي تطاير فوقها ألوان باهتة لايعرف لونها من شعر قاسٍ منتصب تغلب عليه تلك الانثناءات التي حفرها الزمن ببراعه وأسقطها بسمو على جبهته الداكنة . لا زال ذلك الصوت الحزين يثقب مسامعه فارتعشت أصابعه لتعليته خاف عن بُعد بعد أن تدحرجت مشاعره إلى ذلك النفق المائي اللانهائي ليقف في منتصفه يحاور حوريته عما كانت تحلم به وأوقف بعدها مركبته وترجل عنها خشية أن تهرب منه تلك الأزهار ومراكن الورود . ابتاع عدداً منها وقذف بها خلفه وسار إلى حيث لا يرى نفسه . تعدى بضع أنوار كلون ذلك الرمان الحامض الذي كان يعشقه حينما كان صبياً . لم يقف وقد نجا أسطورة محورية تبحث في أعماقه وتتساءل بتثاؤب عن تلك الحلقة التي لم يحصل عليها .. كيف يسعدها وهي غائبة ؟ .. بل هي في الأصل ضائعة منه وصل إلى مبتغاه حمل معه مراكن ورده التي تناثرت ضفائرها وغدت طائشة إلى كله الآخر .. أو هكذا يريد أن يعتقد .. حينما رأته على هذه الحالة فرحت من الأعماق .. حاول أن يرتب عاطفته بأبجدية صادقة فلم يفلح .. صاحت يداه بعيون مغرورقة لا تحزن .. لا تهرب .. لا تتشدق .. يمكنك فقط أن تحلم بالمستحيل وأن تركض نحو حقول السفرجل في زمن الخريف !!! . ومضة :- من شعر نزار قباني : سامحيني إذا خذلتكِ في الحب فإني لا أشبه العُشَّاقا أن سيف الأحزانِ يفتحُ في الروحِ ثقوباً .. وماشبِعتْ عناقا