قبل أكثر من 10 سنوات كان الأمين الحالي لجدة صالح التركي رئيسا لإحدى لجان الإمارة المختصة ببحث العشوائيات، واصطحب حينها «عكاظ» في جولة ميدانية سرية على حيي الكرنتينة وغليل برفقة عضو جمعية حقوق الإنسان الكاتب عبدالله أبو السمح «رحمه الله»، كتب عقبها تقريرا إلى الأمير عبدالمجيد أمير منطقة مكةالمكرمة -رحمه الله- ضمنه شهادة ميدانية ظل يروي أجزاء منها في مجالس الأصدقاء، وكيف عاش لحظات في أحياء جنوبجدة متخيلا أنه كان خارج المملكة! كان ضمن الجولة آنذاك فريق من البحث الجنائي خلال الزيارة لحماية مرتادي تلك الأحياء من «مخالفي نظام الإقامة» ممن حولوها إلى بؤر للجريمة تعاملت معها الأجهزة الأمنية في حينه. ويسأل أهالي جدة لماذا تمزق وسط العروس وهرم، وهل تفلح معه محاولات الترقيع بعد أن تمددت العشوائيات في جدة من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها وتكونت بؤر عشوائية في أحياء حديثة وراقية منها على سبيل المثال أحياء؛ السلامة، النزهة، الرحاب، العزيزية، البوادي، بريمان، الربوة وحي المروة، خلاف العشوائيات التي استوطنت الأحياء القديمة. من الحفيرة وشارع السيد في الرويس والحفرة في العزيزية، إلى حارة المليون في السبيل وسوق الصومال في الصحيفة وغيرها من المواقع في وسط جدة نقف أمام شريط من الخطر، وثمة من يطالب أمين جدة بإجراء جراحة عاجلة قبل أن تتفاقم مشكلات الأحياء العشوائية وتشوه وجه العروس. أحياء.. بعيدة عن النموذجية تشتهر أحياء جدة في بؤرها العشوائية بالكثافة السكانية العالية وكثرة الأزقة والشوارع الضيقة والمباني القديمة، ويقدر عدد سكان تلك الأحياء بأكثر من مليون نسمة عند مختصين عقاريين، وتعتبر تلك الأحياء نقاط التقاء على طرق وشوارع محورية في جدة أهمها طريق المدينة، شارع فلسطين، شارع الأندلس، شارع ولي العهد وشارع التحلية، ومن أبرز وأهم البؤر العشوائية وسط جدة أحياء الحمراء، البغدادية، الغربية والشرقية، الرويس، الشرفية، الصحيفة، العمارية، مشرفة، المكرونة، بني مالك، العزيزية، الكندرة، الرحاب، الجامعة، الثغر، الورود، الروابي، السليمانية، ويعيش في تلك الأحياء خليط متنوع من السعوديين والمقيمين الذين يعملون في مهن مختلفة. ويجمع عدد من الأهالي أن الظاهرة المشتركة في أحياء وسط جدة ندرة وجود حي نموذجي ومنظم ومخطط مرتبط بشبكة طرق، ما يفقد الحي الجمال العمراني والتخطيطي وذلك يحتاج إلى معالجة؛ لأن جمال الحي لا يمكن أن يكتمل إلا عندما يتم تخطيط داخله، ويصف الأهالي الصورة التي يبدو عليها واقع وسط جدة بأنها بقع سوداء في وجه العروس. العزيزية.. أزقة الأودية تشوه الحي من يتجول في شوارع وأزقة حي العزيزية 9 و10 الواقع وسط جدة وتحديدا شمال مقبرة الفيصلية في جدة، غرب شارع الأمير ماجد وخلف إدارة تعليم البنات، يرصد الفوضى وسرطان العشوائية وجملة المخالفات التي تعكس واقع الحي اجتماعيا واقتصاديا، ورغم أن الحي يقع في منطقة إستراتيجية في قلب جدة وقريب من شارع التحلية، فشوارعه أزقة ضيقة ومساكنه لا تخلو في معظمها من ألواح الخشب، إضافة لظاهرة (تجفيف الخبز) في تلك الشوارع والأزقة تمهيدا لبيعه بعد طحنه. وفي شوارع العزيزية (9) و(10) يطلق على نحو 95 % منها اسم أودية كبعض الشوارع التي زارتها «عكاظ»؛ ومنها شارع وادي أبوحنيفة وشارع وادي رابغ ووادي الهب ووادي الحول ووادي غمرة ووادي الجبل ووادي السد ووادي مكة ووادي الهول ووادي فاطمة، وغيرها من الشوارع التي يسبقها اسم وادي. والراصد المتجول لهذه الشوارع (الأودية) يجد أن قاسمها المشترك بيوت شعبية وشوارع ضيقة للغاية بعضها أقل من نصف متر، مع ملاحظة انتشار مكيفات الهواء لبعض المنازل على مستوى المشاة ومرتادي الأزقة، لدرجة أن بعضها لا يمكن المرور فيه بسبب تلك المكيفات، كما أن طريقة حياة السكان في معظم منازل الحي متشابهة إلى درجة التطابق وأبرز ما فيه نشر السكان غسيلهم خارج المنزل. من جهتهما، يتساءل كل من أحمد العمر ومحسن صالح، كيف أن هذا الحي في جدة عروس البحر الأحمر، ويقترح عبدالله باسم، تشكيل لجنة لدراسته ميدانيا واتخاذ ما يلزم بشأنه، مشيرا إلى أن آخر العلاج الهدم وإعادة تخطيط الحي مرة أخرى. فيما يشخص المواطن عماد غالب حال مثل هذه الأحياء، بأنه لا يمكن أن يصلح إلا إذا تمت إعادة تخطيطها من جديد؛ لأنها بوضعها الحالي ما زالت منسية وتجد فيها الكثير من المخالفات، التي لا يمكن وقفها في ظل استمرار وضعها على ما هو عليه، مطالبا بتفعيل دور البلديات الفرعية ونزولها للميدان. من جانبه، قال المواطن نايف البقمي نشأت مواقع عشوائية داخل الأحياء الحديثة في وسط جدة، مشاكلها متقاربة والقاسم المشترك بينها نقص الخدمات، مناشدا الأمين ببحث آلية لتحسين الحي وغيره ممن تحتاج إلى تنظيم. وبذلت الأجهزة الأمنية جهودا كبيرة وموفقة في تراجع نسبة الجريمة في كثير من أحياء وسط جدة، وبينها حي العزيزية ونجحت حملات التفتيش والمتابعة الأمنية، في الحد من عدد المخالفات وأسقطت عصابات للمخدرات ومخالفين لنظام الإقامة وأوكارا للخادمات الهاربات ومخالفات المنازل الشعبية. واعتبرت الدكتورة عبلة حسين استاذة علم الجريمة في دراسة أكاديمية لها حول العشوائيات بأنها قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، وأن المراهقين والشباب يجدون أنفسهم ضحايا تلك البيئة، وحذرت من انعكاس مستوى الحياة واقتصاد الأسرة على ارتفاع وانخفاض الجرائم، وكلما تطور الحي تطور سكانه وتضاعف إنتاج الفرد فيه وزاد من مسؤوليته الاجتماعية، ورأت أهمية إيجاد جمعيات خاصة بالأهالي كمجالس الأحياء تتولى التنسيق للعمل على معالجة الخلل في الأحياء، مؤكدة أن التركيبة السكانية هي الرقم الأهم في توجيه سلوك الفرد. بينما قال محسن العطاس خبير عقاري: إن حالات المباني في أحياء وسط جدة، ومنها حي العزيزية 9 الواقع غربي شارع الأمير ماجد وجنوبي شارع التحلية، تنقسم إلى ثلاثة أنواع 20 % من المباني حالتها جيدة، 30 % حالتها متوسطة، 50 % حالتها رديئة ولا تصلح للسكن، وخصائص السكان في هذه الأحياء بصفة عامة تعاني من انخفاض مستوى الدخل، وسكانها من جنسيات مختلفة. أهالي الرحاب الشعبي.. تخوف من الظلمة والجرذان يجمع أهالي حي الرحاب الشعبي في جدة وتحديدا شرق شارع دلة إلى طريق الحرمين، أن الحي يشكو من الإهمال، وأكد عدد من الأهالي أنهم يدعمون تطوير حيهم وإنهاء مشكلة نصف الحي الذي ما زال بدون صكوك ومعالجة نقص للخدمات. ويقول الأهالي إن شوارع الحي الداخلية تشكو وتئن ما بين طلبات السكان ونقص الخدمات وليس انتهاء بالشكوى الجماعية من انتشار الجرذان ليلا في أزقة وشوارع الحي متخوفين من انتشار الأمراض بسببها. ورصدت «عكاظ» في جولة مصورة معاناة أهالي حي الرحاب الشعبي الذي يعتبر جزءا من حي الرحاب المصنف من الأحياء الراقية في جدة، والذي يعتبر من الأحياء المرتفعة من حيث القيمة العقارية، ويشكل حي الرحاب الشعبي مربعا كبيرا ذا موقع إستراتيجي، إذ يقسمه شارع التضامن العربي من الجهة الشرقية إلى جزء شمالي وجنوبي ويعتبر شارع محمد بن جبير أحد معالم الحي. ويتميز الحي بقربه من شبكة من الطرق المهمة والرئيسة مثل شارع فلسطين وشارع التحلية وشارع الأربعين وطريق الحرمين (الخط السريع)، وتمدد حي الرحاب واتسعت رقعته وتمت تجزئته إلى أحياء داخل حي، فأصبح هناك حي الرحاب 1 والرحاب 2 والرحاب 3... والرحاب 10. ويقارب عمر الحي ربع قرن من بدء التطور والتمدد العمراني في عروس البحر الأحمر، ويقع في مربع يحده من الشرق الخط السريع ومن الجنوب شارع فلسطين ومن الغرب شارع الأربعين ومن الشمال شارع التحلية، وعرف حي الرحاب في فترة من الفترات بأنه حي راق محاط بأهم وأكبر شوارع جدة، وبدأ فيه العمران الحديث من فلل وعمائر. ووقفت «عكاظ» ميدانيا على عدد من شوارع الحي، إذ تتركز المنطقة الشعبية والمسماة بحي السالمية الشرقي والغربي، وتبلغ مساحتها ما يقارب «3» كيلو مترات مربعة تقريبا وتقع حدودها من الرحاب «2» وحتى الرحاب «5» ويسكنها مواطنون بنوا بيوتهم الشعبية إبان بدء التطور في شمال شرق جدة. ويرجع عدد من الأهالي سبب ظهور الجزء العشوائي من منطقة الرحاب كحي كبير، لوجود جزء كبير من الحي العشوائي بدون صكوك وشيدت مبان في الحي أغلبها شعبية، في حين يطالب الأهالي شركة الكهرباء بمنحهم حق الحصول على عدادات كهرباء إضافية، إذ يقطن البيت الواحد نحو 4 عوائل من نفس الأسرة ويستخدمون عداد كهرباء واحد وهو ما يؤدي إلى تكرار انقطاع التيار. ويروي الأهالي واقع حالهم فيقولون ما بين حي الرحاب 2 وحي الرحاب 5 نمت بؤر عشوائية داخل الحي قبل ربع قرن، وتمددت معها مشاكلها فأصبحت تنمو من حين لآخر، في وقت يرحب كثير من الأهالي بأي عملية لتنظيم وتطوير وتأهيل الحي والعمل على الحد من تزايد رقعة العشوائيات دعما لتوجه إمارة منطقة مكةالمكرمة في إعادة تأهيل وتنظيم بعض الأحياء العفوية. وخلال رصد «عكاظ» للحي الشعبي رصدت البيوت الشعبية والأزقة التي لا يزيد عرض بعضها على نصف متر ولا يمكن لسيارات الدفاع المدني الوصول إليها بل إن سيارات البلدية نفسها تعجز عن أن تصل إلى المواقع الداخلية في الحي.