يتحدث حسن نصر الله في حديث يسميه الذكرى الثانية عشرة لانتصار تموز، عن المشروع الأمريكي الكبير والذي احتل على إثره الأمريكيون العراقوأفغانستان ثم أصبحوا على حدود سوريا والجمهورية الإسلامية كما يحب أن يسمي إيران، في لفظ لا يخلو من إسقاطات تعني أن إيران هي نموذج الإسلام والديموقراطية، وهي من النموذجين بعيدة كل البعد عن الأمرين معا. لكنه في تصريحه يضيف أن حرب تموز هي التي قضت على المشروع الأمريكي في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وبعيدا عن سخافة القول بأن حرب تموز حققت ذلك بالفعل، وتجاوزا لأن حرب تموز هي في واقع الأمر تحرك يستهدف أولا الحرص على الحفاظ على النظامين السوري والإيراني، إلى أنها حرب استدعاها الحزب بخطف جنديين إسرائيليين من أجل تخفيف الضغط على إيرانوسوريا، والتي سعى نصر الله قبل غيره للبحث عن مختلف الوساطات لإيقافها إدراكا منه أن ميزان القوى يتهاوى من جانبه مقابل الضربات الإسرائيلية. كما أنها حرب أودت بحياة ما يقارب 1200 لبناني ودمرت البنية التحتية وأوقفت السياحة في لبنان لسنوات، كما أنها لم تحرر شبرا واحدا من أرض لبنان، بل إنها حرب استدعتها ضرورتان؛ الأولى عدم وجود ذريعة لحركة مقاومة مسلحة خارج إمرة الدولة خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في 2000، والضرورة الثانية وجود مشروع موازٍ للمشروع الإيراني الذي مثله حسن نصر الله وهو مشروع الشهيد رفيق الحريري. مشكلة مشروع رفيق الحريري أنه أولا مشروع غير طائفي، ولعل رمزيته شاشة المستقبل التي كانت تضم إعلاميين من مختلف الطوائف اللبنانية، وهو ما يمايزها عن كافة الشاشات اللبنانية الأخرى، كما أنه مشروع بناء وتنمية يلقى دعما عربيا وعالميا كبيرا، والثالث والأخطر على الحزب، إنه مشروع يبحث عن حلول سياسية عبر مجلس الأمن لاستعادة ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة في مزارع شبعا وكفر شوبا وقرية الغجر، ناهيك عن الحديث عن ترسيم الحدود مع سوريا أولا، ليتبين هل هذه القرى التي يسكنها غالبية سورية علوية واجب لبناني أم سوري. وبالتالي كانت الحرب سعيا لملء الفراغ السوري الذي خلفه إجبار بشار الأسد على سحب قواته من لبنان بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري في 2005، ليكون البديل احتلالا إيرانياللبنان مركزه الضاحية الجنوبية، وتلاه مباشرة تكثيف لحديث نصر الله عن فلسطين، وأن المقاومة باقية لتحرير آخر شبر من فلسطين. وفي واقع الأمر أنه وبعد مرور 12 عاما على حرب تموز، لم يطلق حزب الله رصاصة واحدة على إسرائيل، فيما يبدو مشابها لاتفاقية حافظ الأسد في 1974، والتي ضمنت إسرائيل أمنها على إثر ذلك، وضمنت كذلك لإسرائيل إيجارا منتهيا بالتملك لهضبة الجولان، وهو ما ذكره ابن خالة بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية، حيث قال رامي مخلوف إن أمن إسرائيل مع بقاء نظام بشار الأسد. وتحول جهاد نصر الله للداخل اللبناني في مايو (آيار) 2008، في المناطق السنية ببيروت وفي منطقة الجبل لمهاجمة الدروز وتهديد وليد جنبلاط، تلاه توجه الحزب إلى سوريا لسبع سنوات من أجل القتال ذودا عن النظام، وتسليح وتدريب الإرهابيين في البحرين والكويت والعراق وصولا إلى الحوثيين في اليمن، ولكن ينسى البعض أنه رغم العنوان الثابت المسمى مقاومة، إلا أن هذه المقاومة لا تستهدف إسرائيل، بل هي في واقع الأمر تحميها، وكذلك قال الإسرائيليون أنفسهم بأنهم سعداء ببقاء نظام الأسد الذي كان نعم الجار لهم. وما أعظم محاسن هذا الجار إلا أنه لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل طوال أربعة عقود، ويبدو أن حزب الله ورث هذا الدور بامتياز من معلميه في دمشق، وأدرك أن العنتريات مكانها الإعلام، وهناك جمهور يقبل بخطب الإعلام الرنانة خبزا، ويتناسى حتى أنه على مستوى القراءة الطائفية هذا المشروع الأمريكي الذي يقول بأن جورج بوش تبناه، هو في حقيقة الأمر أسقط نظامين سنيين كانا خانقين لطهران، في أفغانستان وفي العراق. اليوم وجود دولة ذات جيش قوي يدافع عن الدولة في لبنان أخطر على إسرائيل من وجود ميليشيا إيرانية تحكم لبنان، وكذلك الحال مع بقاء نظام فاشٍ في سوريا، يكذب كلاهما على جمهور يكبر للمقاومة التي هي في حقيقتها حماية لإسرائيل، كما تفعل عهد التميمي في مدح سجون إسرائيل، ثم تُعيد على السيد باعتباره محفزا للنضال، في تجديد لخلق أيقونات في واقع الأمر لا تدور خارج الفلك الإيراني ومصالحه مع إسرائيل. * كاتب سعودي