منذ عقدين وحتى يومنا الراهن لم تتغير حركة نقل البيانات محلياً، فلايزال المحتوى والمُستخدم المحلي ملزماً باستخدام مقاسم إنترنت في دول أخرى لتبادل البيانات - على نسق أين أذنك يا جحا. ولبيان رداءة هذا التنظيم، فهو كأن تلجأ لاستخدام مقسم اتصال في أمريكا عند كل مكالمة هاتفية لجارك في السكن، عندما طلبت هيئة الاتصالات مرئيات العموم بشأن تنظيم عمل مقاسم الإنترنت هي تعلم تبعات تأخرها في هذا التنظيم، فمن التبعات الاقتصادية، استحالة المنافسة بشكل احترافي لشركات الاستضافة الوطنية وشركات الحوسبة السحابية، رغم توافر المهارات الوطنية. هذا بالطبع يترتب عليه قصور في الاحترازات الأمن - سيبرانية. وللقارئ أن يتخيل العوائد المادية للدول التي استثمرت في هذا المجال، فمن ناحية مزود خدمة الإنترنت الوطني يدفع مقابل تأجير منافذ لتلك المقاسم، وكلما زاد حجم حركة النقل زادت التعرفة، وبالطبع هذا ينعكس على ارتفاع رسوم الإنترنت غير المبررة على المستخدم، ومن ناحية أخرى، الشركات الموفرة للمحتوى تدفع للمقاسم «في دول الجوار» ليوفر المحتوى بسرعة مناسبة للطلب المحلي. وحقيقة هناك ارتفاع غير مبرر لارتفاع سعرالتعرفة شكا منه نائب الرئيس لشركة نيتفليكس على الرغم من الانخفاض الكبير في سعر أجهزة التوزيع. أحسنت هيئة الاتصالات حين قررت أخيراً أجراء تنظيم لتصاريح مقاسم الإنترنت ولو أنها خطوة متأخرة كثيراً - بحسب وصفها. ربما أن الهيئة لديها مبرراتها لهذا التأخير، ولكن الجميل أن تصل - ولو متأخراً. والأجمل أن نتعلم من تجارب الماضي وندرك المستقبل وتحدياته. من هذه الدروس أن نجاري مسلمات الطبيعة الجغرافية والسكانية، ونسخرها لصالح هذا التوجه. فكما أن المركزية في التعليم الجامعي في عهد مضى تعلمنا أنها غير مجدية اقتصاديا، فكل ذي لُب ومعرفة بسيطة بأدنى مفاهيم الشبكات يدرك أن المركزية تعارض أبسط مفاهيم الشبكات وضرورة توزيعها. وإن كان لغرض توفير الازدواجية redundancy التي تحمي الشبكات من الانهيار. وهنا بوضوح ندعو لدعم المشاريع التقنية خارج المدن الرئيسية، لأنه من غير اللائق أن تبدأ مشاريع عملاقة تعتمد على إنترنت الأشياء في نيوم مثلاً، ولا نجد البنية التحتية الملائمة لكميات البيانات الهائلة التي تتطلبها هذه التقنية، مجرد الحصول على الرخصة له فوائده للمستثمر، لكن تنتفي الجدوى الفعلية إذا تكدست هذه المقاسم في مكان جغرافي واحد، فهل تشترط الهيئة توزيعاً جغرافياً متوازناً عند منح التراخيص؟ وكما جرت العادة على سائر الأفكار التقنية النبيلة التي تخدم البشرية، هناك دورة تبدأ من الأبحاث وصولاً إلى المنتج النهائي. ومع مرور الوقت تكتشف أن الأهداف النبيلة بُعيد دخول الشركات التجارية تأخذ منحى آخر يهدف إلى الربحية ولاحقاً التكتلات. ولأن الربحية المقننة وغير المضرة بالمستهلك تساهم في توازن وانتعاش البيئة التقنية. فالمتابع يأمل أن يفسح المجال للجهات غير الربحية كالجامعات، لخلق توازن يعود بالنفع على المجتمع، كذلك لا بد من توفر اشتراطات إلزامية للتنويع في الشركات المصنعة للأجهزة فلا نرتكز على أجهزة توزيع مصنعة من شركة واحدة. من سمات هذه الخدمة أنها تقتضي الاستدامة، ودورة نضج المنتج تقاس ببضع سنوات، وهذا يدعونا للتنبه لأهمية اشتراط التوطين لمنح الرخص.