كان العراق أيقونة للرخاء وأمثولة للتعايش ونموذجاً يحتذى في جودة التعليم والريادة الثقافية والتنور الفكري. وبقي المواطن العراقي علامة فارقة في كرامة النفس والزهو والاعتداد لكن ذلك - في الغالب - غدا في عِداد ما يُحكى وما يُروى من السير الماضوية، صار العراق يبابا وخرابا ومذهبية كرست الظلامية والجهل وزاد الشيعي المخدر والمطوق بطائفية العمائم يلطم حزناً على الحسين في مشهد وفي النجف وفي بغداد والبصرة، بل صار ينتقل من محزنة إلى أخرى في مواسم نواح مستمرة ومتتابعة لأن قادة التجهيل يتكسبون من هذه المواسم ويضمنون استمرار التدجين وديمومة الولاء، لكن المفارقة أن مواسم النواح لم تعد مقصورة على الشيعة بل حتى سنة العراق صاروا بدورهم يلطمون حزناً على الدكتاتور ويرون أن صدام حسين بات ملاكاً وحكمه عدلاً مقارنة بنير المستعمر الإيراني الذي سرق مقدرات العراق النفطية والمائية ورهن البلاد عند مشيئة ولي الفقيه الرابض في قم أو عند عملائه في الداخل كنوري المالكي أو العامري أو غيرهم من الخونة الذين تفننت إيران في غرسهم داخل السلطات التشريعية والتنفيذية وهم الذين بدورهم تفننوا في سلخ العراق ونهب ثرواته وتجذير الفساد في كل القطاعات الحكومية على النحو الذي أصبح معه العراق دولة فاشلة لا تملك التحكم في مصادر قوتها المنهوبة. لقد انطلقت من جنوبالعراق ثورة الجياع تعلن سخطها وتذمرها على جوقة المسؤولين الذين أكثروا في البلاد الفساد وأرهقوا العباد، وأظن أن الأمر يمضي ولكن ببطء إلى تحقيق مطالب الثوار الذين يتطلعون إلى التفاتة ولو معنوية من الجامعة العربية، بل إن الحالة في العراق أحوج ما تكون إلى عقد قمة عربية يكون التدخل والعبث الإيراني في داخل العراق أبرز المواضيع الجديرة بالنقاش وتطارح الحلول الجديرة بإعادة العراق إلى محيطه العربي وبسط نفوذ العراقيين على مقدرات وطنهم الغني بثرواته الطبيعية النفطية والمائية والبشرية. • مقطع من قصيدة قديمه لبدر شاكر السياب كأنه كان يستشرف الواقع في هذه الأيام- يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار في كل منعطف ودرب أو طريق أو زقاق عبر الموانئ والدروب فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار طلع النهار فلا غروب ياحفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود كانت على مهل تذوب كانت إذا مال الغروب رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء تجري وألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء واصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء