أثناء قراءتكم لهذا المقال اليوم، سأكون مسافرا بمشيئة الله على رحلة السعودية 41 على متن طائرة من طراز بوينغ 300-777 «إي آر» في طريقي إلى مطار لوس أنجلوس في أقصى غرب الولاياتالمتحدة. والمسافة بين مطار الملك عبدالعزيز الدولي ووجهتنا هي حوالى 13400 كيلومتر... حوالى ثلثي قطر الكرة الأرضية. وسنحتاج بلطف الله إلى أكثر من 16 ساعة لرحلتنا اليوم. وسأعود لموضوع الطائرة بعد 33 كلمة من هذه النقطة. تخيلت صورة من الماضي الجميل عندما كانت تعمل سيارات «البيجو البوكس» بين جدة والمدينة المنورة... فور وصولها كانت تنزل ركابها وتحمل ركابا جددا، وبعض الأحيان بسائق جديد وتعود إلى جدة، بأمر الله، بيسر وسلام. وهذا هو وضع طائرتنا اليوم، فخلال حوالى 240 دقيقة من وصولها إلى مطار لوس أنجلوس، ستعود في الرحلة رقم 42 إلى جدة بسلامة الله. وعلى رحلتنا اليوم يوجد فريق مكون من طاقمين لقيادة الطائرة، لأن فترة الرحلة لا تسمح لأن يتولى الطاقم الواحد هذه المشقة. وتعد هذه الرحلة ضمن أطول عشر رحلات بدون توقف في تاريخ البشرية. وهي أغرب من الخيال: ندخل الطائرة في جدة، ونخرج في لوس أنجلوس... في آخر الدنيا بمشيئة الله. وخلالها سنستهلك حوالى 130 ألف كيلوغرام من الوقود... حوالى 180 ألف لتر... ما يعادل تقريبا محتوى 540 ألف علبة بيبسي... خلال فترة قول «توكلت على الله»، والتي يستغرق لفظها ثانية واحدة، تكون الطائرة قد حرقت كمية وقود تعادل محتوى حوالى تسع علب بيبسي. ولا عجب في ذلك، فالمحركان على هذه الطائرة هما الأكبر حجما والأقوى في تاريخ الطيران المدني وكنا نحتاج إلى تلك القوة لأن وزننا عند الإقلاع صباح اليوم كان يساوي حوالى 350 ألف كيلوغرام... وبالرغم من ذلك كان تسارع الطائرة مذهلا فنشعر بتسارعها وكأنها سيارة سباق نشطة. وتحديدا فوصلت إلى سرعة الإقلاع البالغة حوالى 310 كيلومترات في الساعة خلال حوالى 50 ثانية فقط، فكانت كأنها صقر سريع، بدلا من المتوقع وهو أن تكون «بطة سمينة»، نظرا لحملها الثقيل جدا. ولن يمنعها الحمل الثقيل، بإرادة الرحمن، أن تسير بسرعة تعادل 84% من سرعة الصوت. وهناك المزيد... من الناحية المنطقية نجد أن وجهة سفرنا في أمريكا مفروض أن تكون إلى الغرب، بناء على ما نقرأ على الخرائط. ولكن الخرائط الجوية كاذبة. المشكلة الفنية أن الأرض كروية ولكن الخرائط مسطحة، وبالتالي فهي لا تعكس المسار المطلوب بدقة، ولذا فمسارنا الصحيح الدقيق يأخذنا إلى أقصى الشمال: عبر أراضي مصر الشقيقة، ثم فوق البحر الأبيض المتوسط، ثم نعبر أوروبا إلى المحيط الأطلسي، ثم إلى الشمال الغربي فوق آيسلندا، ثم شمالا فوق غرين لاند. والمسارات عبر المحيط الأطلسي محددة وكأنها دروب مرسومة، ودربنا اليوم سيكون بمشيئة الله في أقصى الشمال، لأنه يمثل أقصر مسافة بين جدة ولوس أنجلوس. وبعد الوصول إلى تلك الأجواء الشمالية، سنبدأ، بإرادة الله، بالاتجاه الجنوب الغربي نحو الساحل الكندي لندخل بعدها أراضي الولاياتالمتحدة ونستمر جنوبا إلى لوس أنجلوس. أمنية أتمنى أن نتذكر هذه النعم العظيمة التي أنعم الله علينا بها. نعمة الحركة السلسة عبر المسافات الشاسعة بسلام وأمان وراحة وفي فترات بسيطة نسبيا تحتاج إلى وقفة تأمل والحمد والشكر، وأن نشكر العاملين على تحقيق تلك الرحلات المذهلة بيسر، فالبطل الأول هو الإنسان قبل الطائرة. وهناك المزيد من التفاصيل، فسأكمل بعض عجائب معلومات رحلة العودة من لوس أنجلوس إلى جدة في أحد المقالات القادمة قريبا بمشيئة الله. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي