دبّت في القرية حياة جديدة، مساء الجمعة الأخيرة من رمضان، هناك أكثر من سيارة محملة بالعفوش مركونة في ساحات وجرن القرية، عوائل عادت من الطائف ومن جدة والرياض والشرقية، فملأت فراغاً وجدانياً، وأزاحت الوحشة عن جدران صامتة طوال العام، وأشعلت قناديل الفرح في الطرقات. قبل الفجر طلبت شريفة من زوجها حمدان الأعمى أن يتوقف عن الأكل، كون الإمساك وجب، فالمؤذن بلغ الصلاة خير من النوم، قال حمدان: الله لا يقيم لك حظ إنتي وولد أبو لهب المرجوج يؤذن ما بعد ظهر الخيط الأبيض. مدّ يده داخل الحلة، مقسماً ما يتوقف لين يخلّص طبيخة الدجر كاملة. استدركت: دخيلك تبقيها عشان أعطيها السفان بيجون يقلون بعد الصلاة، فعلّق: قلقلوا نيبانك يا جمل البدو، إن كان تبدين الجهلة عليّه. أسفر النهار، فإذا بأصوات صبايا لم يعتدن النوم في ليالي رمضان، كنّ يعبرن عن سرور غامر بمنظر الخضرة، ويتشاورن للانطلاق لقطف البرشومي المضيء بصفرته في الوادي كأنه جواهر تتلألأ. أقسمت رفعة على ابنها سعد أن يسرح بالغنم، حاول يتملص، وتحجج بأن اليوم يوم القلية، وأقرانه كلهم بيروحون يقرقعون، ويطوفون بالبيوت، فقالت: دخيلك ترعاها إلى الضحى، وعوّد إذا حميت الشمس وألحق برفاقتك في الفليتة. وهو خارج بغنمه من المسراب، وقعت عند قدمه حبة حلاوة حلقوم، فالتقطها وفك القرطاس وابتلعها، لمحته أمه من فوق الجناح، فاستنكرت، وقالت: يا الله في المزى، اليوم الجمعة الأخيرة جمعة القضا يا سعد يا خجلك من ربي. أقسم أنه نسي الصيام. لحقته أكثرهن جرأة وطلبت منه يتحراهن ليسرحن معه بغنمه، ويساعدهن في قطف البرشومي، شعر بفرح غامر، وأبهجه أنه اليوم بيرعى الغنم، تناول طرف عمامته، وأزال بها عوالق في أنفه، وفرك الغطاش المتكوم فوق رموشه، وتقدم أربع صبايا تفوح منهن روائح المدنية. واحدة منهن كانت تمازح سعد، وتصفه بكلب رمضان لأنه أكل الحلاوة الحلقوم، فعرف سعد أنها هي التي رجمته بها، وأقسم أنه نسي أنه في رمضان، ولم تمض ساعة حتى تعالى نحيب الصبايا، وبدأ المستيقظون يتتبعون مصدر الصوت، ويردّون عليه «وشبكم يا عيال ماشي خلاف» قال سعد: المغزولات انتزين وسط التين والشوك طبّزهن. علمي وسلامتكم.