العم جلعود رجل كبارة من زمان الطيبين، أهل أول. مدقدق وخبير في المفاوضات لا يشق له غبار. عنده مؤسسة من 50 سنة، إلا أن التكاليف لا تفتأ بالزيادة. والتأمين الصحي على العاملين في المؤسسة واحد من التكاليف. ولكن على مين! عم جلعود جاب عروض وكلم شركات تأمين وعرف كيف يأمن بأقل سعر تأمين في البلد. 235 ريالا للراس! ورجع لأم العيال منتصرا، هاشاً باشاً. وهي أيضا كان عندها أخبار جميلة. ابنك يا جلعود اتخرج من كلية الطب وصار دكتور قد الدنيا وكمان جاته وظيفه. ولَم تسع العم جلعود الفرحة٬ الله يبارك فيك يا آم الدكتور. بس المرتب 7500 ريال بس يا جلعود. كيف الكلام دا؟ بعد السنين دي كلها أخرته المرتب الخايس دا؟ استغفر الله. أنا بكرة أبيع المؤسسة وافتحله مستوصف ولايهون. وبدأ العم جلعود رحلة الاستثمار الصحي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وأصبح مراجعا منتظما للدفاع المدني والبلدية ووزارة الصحة ومجلس التخصصات الطبية ومكتب العمل وغيرها من الجهات. وبعد حين (طويل مره) من الدهر وبعد الحصول على التصاريح والموافقات والمطابقات، افتتح المستوصف. وانتظر المرضى ولَم يأت أحد! قيل له أنت دقة قديمة؟ لابد أن تتعاقد مع شركات التأمين. ولَم يكذب خبرا عم جلعود ودخل على شركات التأمين كالذيب يريد أن يتعاقد معهم وكانت المفاجأة! والله يا عم جلعود ما نحتاج، أنت تدري أن هناك فوق 4500 مقدم خدمة، وإحنا ما نحتاج. من الصدمة خرج يضرب أخماسا في أسداس. وبعد رجاء وبوس لحى، أَعْطوه 12 ريالا ثمنا للكشف، وأسعار خدمات خايسة. حاول عم جلعود يعين سعوديين وسعوديات، مرتباتهم عالية على الدخل. حاول يجيب تأشيرات ما أعطوه، ومرتبات حتى في بلاد الهند والسند ما تنفع. وخسر العم جلعود وقفل المستوصف. ونقلوه على المستشفى، وهناك كانت في انتظاره مفاجأة، بلغوه أن شركة التأمين تعاني من مشاكل مالية وفلست وما حتقدر تغطي. لازم تدفع مبلغا وقدره تحت الحساب يا عم جلعود ما صار باقي مستشفيات كتير في البلد، وماحاتطلع مستشفيات جديدة كفاية ترى. لأن المستشفيات تحتاج إلى سنوات طوال عجاف حتى تعمل يا عم جلعود. يا عم جلعود لو ما صار في حد أدنى لأسعار وثائق التأمين، شركات التأمين حاتفلس. ولا أحد حايستثمر في المستوصفات والمستشفيات، وكمان ماحانقدر نعين سعوديين. وممكن تضطر تروح تتعالج في مصر والأردن، وحتى دول الخليج في سياحة طبية عكسية. الحد الأدنى لأسعار وثائق التأمين وأسعار الخدمات الصحية، يا عم جلعود هو أساس حماية رأس المال الوطني ووسيلتنا للتوطين ووسيلتنا لمشاركة القطاع الصحي الخاص في الناتج الوطني المحلي. ووسيلتنا لحماية صحة المواطن في الأساس. ألف سلامة عليك يا عم جلعود. * كاتب سعودي hazem.zagzoug@