لقد عوّدتنا الجماعات الإرهابية أن تكثف هجماتها خلال رمضان، وذلك حرصاً منها على إحياء هذه المناسبة بالتفجير وإراقة الدماء واستنساخاً للتاريخ الإسلامي حسب زعمهم. وكلنا يتذكر العملية الإرهابية التي نفذها داعش في المدينةالمنورة بالتزامن مع موعد الإفطار في رمضان، وعمليات أخرى كثيرة في طول العالم وعرضه، وذلك تنفيذاً لرسالة البغدادي التي قال فيها: «ليس من عمل في هذا الشهر الفضيل ولا في غيره أفضل من الجهاد». وفتح مكة التي دخلها الرسول القائد صلى الله عليه وسلم على رأس 10 آلاف مقاتل في يوم ال 20 من شهر رمضان للعام الثامن للهجرة وفي هذا المنعطف تغير مجرى التاريخ البشرى بأسره. ومن هنا فإنه من الضروري أن نلقي نظرة شاملة على أهم حدث عسكري وقع في هذا الشهر المبارك. عند دراسة هذا الفتح المدوي، كثير منا تجذبه عبقرية الرسول الإستراتيجية وخطته الحربية كالمباغتة والكتمان والاقتحام وغيرها، وقليل منا ينتبه لأعظم درس يمكن للإنسان أن يستخرجه من هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الأمة وهو التسامح والتواضع. لقد دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة على رأس 10 آلاف مقاتل وهو في كامل قوته وعدته، وعدوه -الذي أخرجه من بلده ظلماً وعدواناً وأذاقه أشد العذاب- في أضعف حالاته كل هذا لم يمنع رمز التواضع والتسامح والتعايش أن يقوم بعرض أهم مبدأ من المبادئ الإنسانية لدينه المتمثل في حرصه على عدم إراقة الدماء. لقد قام الرسول في ذلك المشهد المهيب ليلقن أعداءه درسا يدوّي تحت أديم السماء إلى قيام الساعة، حيث امتحنهم أولاً بالقول: ما ترون أني فاعل بكم؟ فأجابوا: خيرا. فقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. ثم قال قولته الشهيرة: اذهبوا فأنتم الطلقاء! رمضان موسم للتخلص من الانفعالات المدمرة مثل الغضب والانتقام والحقد والكراهية والصراعات والخصومات التي تدمر العلاقات الإنسانية. إن قوة الرسول الناعمة التي فتحت بها القلوب قبل البلدان تتبلور في مبدأ الحب والتسامح. في حديث رواه الترمذي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟! قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين». ما أحوج البشرية إلى صلاح ذات البين وما أحوجها إلى التسامح لاسيما في ذكرى فتح مكة التي ارتفعت فيها راية الحب والتسامح والسلام على قمة التاريخ عالية خفاقة. * محاضر بجامعة (إس إم يو) بولاية تكساس الأمريكية سابقا