اليوم، هو ذكرى «فتح مكة» الذي كان في ال 20 من رمضان للسنة الثامنة للهجرة، وفيه كان النصر للإسلام بفتح مكة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم. وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني كليهما معا في طول جزيرة العرب وعرضها، فقد انتقلت إليهم الصدارة الدينية والزعامة الدنيوية، وحين فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، فبايعوه على السمع والطاعة. أنتم الطلقاء وعن قصة الفتح، يوضح الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح (الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة)، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بجيشه من المدينة لفتح مكة، ومعه عشرة آلاف، وتكتم عليه الصلاة والسلام على الخبر وحرص على السرية التامة، حتى لا يصل الخبر لقريش فيستعدوا له، موضحا أن حديث عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل عليها وهي تغربل حنطة، فقال: ما هذا؟ أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: وإلى أين؟ قالت: ما سمى لنا شيئا، غير أنه قد أمرنا بالجهاز. وأضاف الدكتور المصلح، أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع إليه عشرة آلاف رجل، سار بهم عليه الصلاة والسلام حتى مر الظهران قريبا من مكة الذي يسمى الآن بوادي فاطمة، وقسم جيشه إلى أربعة فرق بقيادة أربعة من الصحابة، فدخلوا مكة دون مقاومة وتم للمسلمين فتح مكة. وبين الدكتور المصلح، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة متواضعا لله، وهو يردد سورة الفتح حتى وصل إلى البيت، وطاف بالكعبة سبعة أشواط واستلم الركن بمحجنه كراهة أن يزاحم الطائفين وتعليما لأمته، وأخذ يكسر الأصنام وكان عددها ثلاثمائة وستون صنما وهو يتلو قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، ثم دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلى بها، ثم بعد انتهائه من صلاته وقف على باب الكعبة وقريش صفوف في المسجد ينتظرونه، ثم قال: «يا معشر قريش ما تظنون إني فاعل بكم»، قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). تطهير البيت ويتحدث الدكتور عبدالله بن علي بصفر (الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم) عن أثر فتح مكة في الناس، حيث أوضح أن الله تعالى شرح اللّه صدر كثير منهم للإسلام وصاروا يدخلون في دين الله أفواجا (إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا). وأضاف بصفر، أن فتح مكة تطهير البيت العتيق من مظاهر الوثنية وأوضار الجاهلية ليعود كما أراد الله تبارك وتعالى وكما قصد ببنائه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام مكانا لعبادة الله وتوحيده، ونقل بصفر كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى في قوله عن فتح مكة: «هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجا». البعد الإنساني الباحث الدكتور محمد مصطفى شعيب، يؤكد أن فتح مكة برز فيه الوجه الإنساني الرحيم الذي كان يتسم به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان حريصا على عدم إراقة الدماء بمكة، وهم أعداؤه الذين حاربوه وقاتلوه وقتلوا أصحابه وشردوهم عن بلادهم، وهم الذين أخرجوه من مكة وآذوه أشد الإيذاء، وحاصروه في شعب أبي طالب لسنوات، وحاربوا أصحابه وأذاقوهم أشد ألوان الظلم والعذاب والاضطهاد. وأضاف شعيب: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعشرة آلاف مقاتل، دخلها في كامل قوته، والمغفر على رأسه، والدرع على صدره، والسيف في يده، والنبال على ظهره، وعدوه في أضعف حالاته، ولكنه رغم قوته هذه وكامل جاهزيته للحرب والانتصار والانتقام ممن آذوه وحاربوه كان نموذجا فريدا للإنسانية والرحمة؛ وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أهل مكة وهو في كامل قوته وعدته وعتاده، وهم في أشد أوضاعهم ذلة وضعفا: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: «خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وقال عليه الصلاة السلام قولته الشهيرة: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن».