كثيرة هي التناقضات بين خطاب قناة الجزيرة باللغة الأم (العربية) وخطها في الجهة المقابلة عبر قناة الجزيرة الإنجليزية، فغياب المبادئ لدى المؤسسة الإعلامية القطرية يقودها إلى التلون بشكل مختلف مع كل حدث، بحسب أهوائها وأهدافها المرجوة، دون تبني سياسة تحريرية موحدة بين القناتين. الاختلافات الجوهرية في خطاب قناة الجزيرة «ذو الوجهين» تنطلق من طبيعة المشروع الأيديولوجي الذي تتبناه الماكينة الإعلامية القطرية، فالخطاب العربي المتعاطف مع قوى الإرهاب ووجوه التطرف والإسلام السياسي في الشرق الأوسط لن تجد له حسا في القناة الناطقة باللغة الإنجليزية، التي بدورها تدافع عن الحريات والانفتاح والتسامح، في مشهد متناقض يؤكد أن التباين في الخطاب بين القناتين متعمد وفق إستراتيجية واضحة للقناة. ولا يغفل المتابع للجزيرة التناول الإعلامي المختلف لقضية العرب الأولى فلسطين، إذ تظهر مصطلحات متسامحة مع قوات الاحتلال الصهيوني على القناة الإنجليزية، قلما يتم استخدامها باللغة العربية. ومن مبدأ «اللعب على التناقضات» الذي تنتهجه الدوحة، تسير ماكينتها الإعلامية في ذات الاتجاه، ويؤكد الباحث في معهد واشنطن ديفيد بولوك في مقال له بعنوان: «الجزيرة.. شبكة واحدة برسالتين» على أن الجمهور يجب أن يعي أن وجهات النظر المعروضة في الجزيرة إنجليزي، لن يراها غالبا على القناة العربية، بل قد يصل الأمر إلى أن يشاهد ما يناقضها تماما. ويرى المتخصص في الصحافة ووسائل الاتصال الجماهيرية زيد الشكري أن لفهم التباين بين الخطابات التي تتبناها قنوات شبكة الجزيرة، يجب التنبه إلى الصورة التي تريد قطر أن يراها عليها العرب والمسلمون، والصورة المعاكسة التي ترغب في تقديمها للغرب والشعوب غير الإسلامية، ضارباً أمثلة بحرص الجزيرة «العربية» بتمثيل الفلسطيني على أنه «مقاوم»، وإن قُتل فهو «شهيد»، وإسرائيل «دولة احتلال»، وأمريكا أيضاً دولة احتلال في العراق، في محاولة لكسب وجدان المشاهد العربي، فيما يؤكد خلو قناة الجزيرة «إنجليزي» من مفردات هذا الخطاب، فالمحتل اسمه «إسرائيل»، والمقاومون هم «فلسطينيون»، والشهيد بات في معجم القناة «مقتولاً». ويشير الشكري إلى أن هذه الدعاية في التلاعب بالمفردات حسب الجمهور المستهدف، تنطلق من تأثير التوجه البراغماتي للسياسة على الوسيلة الإعلامية، الذي تتحول معه الوسيلة إلى مجرد أداة لتعزيز الأجندة السياسية.