ما أن تطأ بقدمبك المنطقة التاريخية بمدينة جدة، حتى تتشكل أمامك العديد من اللوحات والزوايا الجميلة، بمبانيها وأزقتها ومحلاتها وطبيعتها التراثية، التي تذكرك بعبق الماضي، في صورة بانورامية فاتنة، تخطف الأبصار، وتحكي قصة بقايا أزمنة تحفظ ذكريات تعود لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، محتفظة بحارات عتيقة، تتوسطها شوارع ضيقة، تحكي كل واحدةٍ منها تاريخ المكان. من خلال هذه الصورة البانورامية، يحاول الفنانون التشكيليون عبر مشاركتهم في فعاليات «مسك جدة التاريخية»، التي أطلقها مركز مبادرات مسك التابع لمؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية»، تعريف الزوار بتراث المنطقة ومبانيها وحياة الناس في ذلك الوقت، عبر رسم لوحات تشكيلية توثق ما حفرته جدرانها من ذكريات، وتحويلها إلى واقع يشرح للزوار كيف كانت الحياة في «زمن الطيبين». 7 فنانين مدير الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) فرع جدة الفنان التشكيلي هشام أحمد بنجابي، أكد حرص الفنانين على إبراز أعمالهم التي تعطي انطباعاً ومفهوماً لزائر المنطقة عن التراث الجداوي القديم والحجازي على وجه العموم. ويشير بنجابي الذي أثرى الحركة الفنية، إلى مشاركة سبعة فنانين تشكيليين من المنتسبين لأكاديمية جدة للفنون، تم تنصيبهم في مواقع مختلفة بمسار الفعاليات، تمكن جميع الزائرين من الاطلاع على أعمالهم ومناقشتهم في حيثياتها، بما يعكس اهتماماً بالغاً بالفن التشكيلي من قبل الزوار. ولتأسيس بيت التشكيليين بجدة قصة حميمية مع الفنان بنجابي، إذ يعتبر أن الناس فتحوا بداخله منافذ لم تكن موجودة، فعندما بدأ مزاولة الفن مع رفاقه في أزقة جدة القديمة، أخذ الناس ينضمون إليهم ويرسمون معهم قرب بيوتهم في حارة اليمن، ومن هذا التفاعل بدأ تأسيس بيت الفنانين التشكيليين الأول في المدينة التاريخية وسط جدة القديمة. عوامل النجاح الجهود التي تقوم بها أكاديمية جدة للفنون في تدريب الشباب ذوي الميول التشكيلية وتمكينهم عبر دورات تدريبية متخصصة فتحت الباب لهم باب المشاركة في الفعاليات، وتهدف مشاركتهم إلى إظهار قيمة الدراسة في فهم البعد والقرب والظل والنور، وبحسب بنجابي فهذه عوامل تسهم في نجاح عملهم الفني، وتعطيه قيمة للأكاديمية، قبل حصولهم على القيمة المادية. ويقول بنجابي: «في الوقت الحالي، أصبحنا نجد اهتمام من قبل الزوار بالفن التشكيلي، فكثير منهم يبحثون خلال زيارتهم للفعاليات التاريخية على اللوحات الجمالية، ليس هذا فقط، بل أبعد من ذلك فهناك من يدقق في تفاصيلها، ويناقش الفنانون في حيثيات دقيقة داخل العمل، وهذه أمور تفرحنا كفنانين، ورسالة بأننا أصبحنا محل اهتمامهم». ويؤكد بنجابي بأن الفن التشكيلي السعودي يتميز بصدقه وبساطته وارتباطه بالتراث المحلي، والبيئة السعودية التي يستوحي أعماله منها، ووهو فن محافظ يبتعد عن الأشياء الدخيلة والغريبة التي لا تتناسب مع عادات وتقاليد المجتمعات الشرقية والعربية، وكونه فناً محافظاً لا يعني أنه محاط بقيود ولكنه يتمتع بحرية كبيرة.