من كانت همته عالية لا يرضى إلا باعتلاء عنان السماء، ولا يرى مكاناً يليق بوطنه إلا «فوق هام السحب».. هذا الشعور الوطني المتقد فخرا واعتزازا ونشاطًا وحيوية تتخطى الصعاب، أعلنه ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عندما وقع على القمر الاصطناعي السعودي للاتصالات بالولايات المتحدةالأمريكية بعبارة «فوق هام السحب»، ليطلق بذلك بداية مشروع وطني كبير يلهم الشباب السعودي الطموح، ويدفعهم إلى الإبداع والتميّز، وهم يقتحمون عالم الفضاء بكل رحابته وتحدياته. ولم تمر أيام قليلة على تلك الأيقونة الوطنية المعبرة، واللوحة السعودية الرائعة التي رسمها ولي العهد في عالم الفضاء، وتفاعل معها وقتئذٍ العالم أجمع، حتى نجحت المملكة في إضافة إنجاز جديد يضاف إلى سلسلة إنجازاتها البارزة في عالم الفضاء، بمشاركتها في أول رحلة من نوعها لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، من خلال الرحلة الفضائية الصينية «تشانغ إي 4». ويجسد الحضور السعودي الفاعل في هذه الرحلة، دور المملكة المتميّز في تحقيق هذا الإنجاز العلمي الكبير، الذي يعد الأول من نوعه على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي لاستكشاف الجانب غير المرئي من القمر، ويُعتبر منطقة خصبة للأبحاث لم تستكشف بعد، ويحظى بفضول العلماء لعدم تمكنهم من الهبوط عليه أو استكشافه. وجاءت مشاركة المملكة ممثلة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في البرنامج الفضائي «تشانغ إي 4» لتطبق عملياً وعلى أرض الواقع مذكرات التفاهم التي وقعتها المملكة مع الصين أثناء الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للعاصمة الصينيةبكين في 16 مارس 2017، والتي تشارك المملكة بموجبها وكالة الفضاء الصينية في استكشاف الفضاء البعيد من خلال الرحلة الفضائية الصينية «تشانغ إي 4». وبرهنت هذه المشاركة مدى الخطط الإستراتيجية الطموحة، والبرامج المستقبلية الواعدة، التي وضعتها المملكة للتطوير العلمي في مجال علوم الفضاء، من خلال شراكات ذكية مع الدول المتقدمة في هذا المجال، للاستفادة من الخبرات المتنوعة؛ لمواكبة برنامج التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030 لإحداث نقلة نوعية وقفزة كبرى في مجال علوم الفضاء بالمملكة. وأثبتت مشاركة المملكة في الرحلة الفضائية الصينية «تشانغ إي 4» قدرة الشباب السعودي المؤهل على تخطي الصعاب وتجاوز التحديات بكفاءة عالية وتميز بارز، إذ نجح فريق العمل السعودي المتخصص الذي ضم نخبة من المهندسين والباحثين السعوديين في تصميم وتصنيع نظام حمولة التصوير القمري بدقة واحتراف وبمهنية عالية من خلال هيكل ميكانيكي متقن يتحمل بيئة الإطلاق الصعبة. وذلك في معامل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على مدى 12 شهراً من العمل والتجارب والاختبارات. وأسهمت مشاركة المملكة في الرحلة الفضائية الصينية «تشانغ إي 4» في إثراء المحتوى العلمي، وتوفير بيانات علمية مهمة تعزز مجالات الاتصالات، وتأهيل وتطوير الأنظمة الإلكترونية للعمل في مهمات فضائية لأول مرة، إذ تُمثل هذه المشاركة البذرة الأولى لمهمات فضائية استكشافية لم تُنفذ من قبل، إضافة إلى توسيع أوجه التعاون الدولي، واطلاع مهندسي وباحثي المملكة على اكتشاف تقنيات وبيئات عمل جديدة. وتشمل البعثة قمرين صناعيين في مدار حول القمر لتطوير التقنية وإجراء عدد من الاختبارات والبحوث العلمية، وتبلغ كتلة كل من القمرين الصناعيين نحو 45 كيلوغراماً، وجرى إطلاقهما في مدار متزامن على مسافات متغيرة تتراوح بين 1 و10 كم في مدار إهليجي قمري. ويتكون برنامج «تشانغ إي 4» من مراحل عدة تهدف إلى إنزال مركبة آليَّة على القطب الجنوبي من سطح القمر، التي يُعتقد بأنها منطقة خصبة للأبحاث، واشتملت المرحلة الأولى على ثلاثة أقمار صناعية أُطلقت في 21 مايو 2018، لتقوم بمهمات تصوير سطح القمر. وسيكون دوران القمرين الصناعيين حول القمر بيضاويّ الشكل، ما يتيح لهما القدرة على أخذ صور بدقة مناسبة، وذلك بسبب القرب من سطح القمر بحيث تكون نقطة الأوج (أبعد نقطة في المدار عن سطح القمر) بارتفاع 9 آلاف كم، بينما ترتفع النقطة الأدنى (أقرب نقطة في المدار لسطح القمر) إلى 300 كم.