كنا نضحك من قلوبنا مع إخواننا المصريين في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهم يتناولون عبر أفلامهم الكوميدية ومسلسلاتهم التلفزيونية أزمة الإسكان التي كانت تؤرق بلداً يستقبل 7200 طفل يومياً «بمعدل 5 مواليد كل دقيقة»، وكانت نسبة تملك المساكن فيه متدنية مقارنة بعدد السكان، بل كانت هناك أزمة تواجه الباحثين عن وحدة سكنية مستأجرة! ظهرت أعمال فنية رائعة تعمقت في الأزمة وحولتها إلى قضية وطنية، مثل فيلم سيداتي آنساتي، الشقة من حق الزوجة، ومسلسل سكان العمارة، أهلاً بالسكان وغيرها من الأعمال الشهيرة التي قدمها كبار النجوم وقتها، وخلطت المعالجة بين الواقع بتفاصيله والكوميديا السوداء والخيال العلمي، وجاءت النتيجة مبهرة بصورة لم يتوقعها المصريون أنفسهم، حيث تبارى علماء الاقتصاد والمجتمع والمفكرون في وضع حلول ساهمت في رفع نسبة التملك لأكثر من 50% وجعلت الكثير من العرب والأجانب يمتلكون منزلاً واثنين رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه بلد 100 مليون نسمة. ما دفعني إلى هذه المقدمة، ما قرأته على لسان وزير الإسكان ماجد الحقيل بأن المملكة تحتاج إلى ما يزيد على 1.2 مليون وحدة سكنية حتى عام 2030 حتى تنجح في الوصول إلى نسبة تملك تصل إلى 70% بعد 12 عاماً تقريباً، وما قرأته بين السطور من وجود أزمة حقيقية تواجه شبابنا المقبلين على الزواج، رغم أن مسلسلاتنا وأفلامنا تعكس صورة أخرى وردية ويتم تصوير أغلبها في فلل وقصور وهذه قصة أخرى! أعود إلى كلام الوزير الذي يقول أن 16 جهة حكومية، وحدت جهودها لإزالة العوائق والعقبات في قطاع الإسكان لتمكين الأسر السعودية من تملك بيتها الأول، وهو أمر إيجابي رائع يستحق الإشادة، لكن المشكلة في رأيي أن أغلب الوحدات التي طرحتها الوزارة أو التي تقوم ببنائها الآن، عبارة عن شقق سكنية في عمائر متعددة الطوابق وهي نماذج لا تلبي طموحات الكثير من السعوديين الذين اعتادوا على الخصوصية والمساحات المناسبة. ولأننا بلد ينفتح على كل التجارب الإقليمية والعالمية ويسعى إلى أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، فقد لفت نظري مشروع بسيط لكنه عبقري اسمه «ابني بيتك»، نفذته دول أوروبية عدة، واعتمدته وزارة الإسكان المصرية قبل 10 سنوات تقريباً، وتقوم الفكرة على أساس قيام الدولة بتجهيز الأراضي المخصصة لإقامة الوحدات السكنية من خلال إنشاء منطقة ممهدة خارج كل مدينة، مع إيصال المرافق وتقسيمها إلى مساحات صغيرة تصلح كل واحدة لإقامة بيت متعدد الأدوار، وتضع وزارة الإسكان نموذجاً موحداً يلتزم به الجميع حفاظاً على الطابع المعماري، وتتاح الفرصة للشباب المقبلين على الزواج بكل مدينة ومحافظة للتقدم للحصول على هذه القطع نظير مقابل مالي زهيد، مع السماح لهم بالحصول على قروض أو منح مالية لبنائها والإشراف عليها بأنفسهم، شريطة أن يلتزم الجميع بفترة زمنية للبناء لا تزيد عن 3 سنوات. فكرة «ابني بيتك» السعودية لن تجد التحديات نفسها التي ظهرت في أي دولة أخرى، لأننا نملك المساحات الشاسعة ونسكن في شبه قارة، وهناك الكثير من الأراضي التي سطا عليها بعض الهوامير دون وجه حق، وبدأت الدولة في استردادها، ومن باب أولى أن يذهب جزء من ميزانية وزارة الإسكان لمشروع يلامس احتياجات شبابنا وينسجم مع طبيعتنا الجغرافية، صدقني الفكرة بسيطة وتستحق الدراسة يا معالي الوزير. [email protected]