ثمة جانب مهم لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لعدة دول شقيقة وصديقة توازي في الأهمية الجوانب السياسية والاقتصادية، ألا وهي «القوة الناعمة» أو الروحية والفكرية ومبادئ الدول لإيصال آرائها وتوجهاتها للآخر بطابع إنساني واجتماعي. وتمثلت تلك السياسة الناعمة في جولة ولي العهد ب«الحراك الثقافي» المميز واللافت، إذ إن قيمة الشعوب التاريخية والحالية تكمن بمحتواها الفكري والثقافي، واستشف ولي العهد أهمية تلك القوى وكانت أحد مرتكزات «رؤية 2030»، خصوصا أن المملكة تمثل العمق الأهم عربياً وإسلامياً ومحور ربط القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوروبا). في الفترات السابقة ولأسباب متعددة تم تغييب ذاك الجانب من الحضور الدولي السعودي، والاكتفاء بالجوانب السياسية في اللقاءات الدولية، مما سبب تباعداً وعدم مواكبة ثقافية سعودية لجزء كبير من الحراك الثقافي والفكري والفني العالمي، وجعلنا نعيش متقوقعي الثقافة نسبيا، وفي الوقت نفسه لم نطلع بشكل كاف على التجارب الإنسانية الغنية في العالم، وبنظرته الشابة والشمولية أدرك ولي العهد في خضم عصر المعرفة والتواصل الاجتماعي أهمية نقل تجربتنا الثقافية والفكرية للآخر والاستفادة من الآخر في تطوير أنفسنا. وحيث إن قيم المحبة والتسامح من أهم المرتكزات لثقافة المجتمع السعودي المنبثقة من إنسانية وعالمية ديننا الحنيف، إذ زار ولي العهد منازل متضررة بولاية تكساس الأمريكية التي أعاد شبان سعوديون إعمارها، والتقى بالجيل الأول من موظفي أرامكو في لفتة إنسانية رائعة، واطلع على الأعمال الفنية والتاريخية بمتحف اللوفر بباريس للتأكيد على أهمية الإرث الثقافي والحضاري المتبادل بين الأمم، ونظراً لأهمية التواصل الحضاري بين الشعوب فقد تبنت الهيئة العامة للثقافة بالتكامل مع الذراع الإنساني في فريق ولي العهد مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية (مسك) إقامة عدد كبير من الفعاليات الثقافية والفكرية المصاحبة لجولة ولي العهد؛ مثل معرض «اللون والضوء» الفني في مركز كيندي للمعارض، وندوة في متحف الأخبار والصحف «النيوزيام» التي ركزت على التغيير والتطور الاجتماعي المستمر في السعودية، ونقل تجارب وأفكار الشباب من خلال «حكايا مسك»، معرض «الفن السعودي المعاصر» في نيويورك، وإطلاق «اكسبو مسك للفنون» في باريس، وبرنامج «حوار الثقافات» في معهد العالم العربي، وتوقيع اتفاقيات للتبادل الثقافي والفكري بين المملكة وأهم المتاحف، والاتفاق مع الجانب الفرنسي لحماية وتطوير الإرث الثقافي والحضاري بمحافظة العلا، والتوقيع على إنشاء أوركسترا سعودية، ودار للأوبرا بمواصفات عالمية بالمملكة، والتحضير لعرض تسعة أفلام سعودية قصيرة في مهرجان كان السينمائي القادم. كل تلك الحراكات الثقافية والإنسانية لها أثرها الإيجابي على محورين؛ الأول: نقل حقيقتنا وتنوعنا الفكري وإرثنا الثقافي للعالم ببعد إنساني سعودي، الثاني: المعارض والمتاحف والمهرجانات الفنية والفكرية المختلفة التي ستقام بالسعودية ستعمل على اكتشاف المواطن السعودي للعالم بمختلف أطيافه وتوجهاته، وتنمي ذائقته الفنية والثقافية، وستعمل على الاستفادة من الآخر في تطوير حياته بشكل فاعل في كل المناحي.