في الجزء الآخر من البلدة تنتشر الأكواخ الخشبية المتراصة بجانب بعضها البعض يفصلها عن باقي البلدة خط ترابي تعبره العربات المارة بوسط البلدة، الخط الذي كان بمثابة الفاصل أيضا بين الحياة والموت. في الجزء الذي نقطنه تعم الحياة فلدينا كهرباء، ونسكن البيوت الجميلة الملونة بينما في الجزء الآخر توجد فوانيس متناثرة عند مداخل الأكواخ. كنا نخاف الذهاب إلى هناك حينما كنا صغارا، ليس بسبب الظلام والحياة الغريبة فقط فقد سمعت أمي عدة مرات تتحدث مع جاراتها عن بعض نسوة ينثرن جدائلهن لليل كلما اكتمل القمر ويرقصن حافيات الأقدام، ويرددن بعض الأهازيج الغريبة فأصبح لدي يقين فرضته عليَّ طفولتي بأن أولئك النسوة ساحرات، كبرت ولم أعد أصدق تلك الشائعات وأصبح لديَّ فضول أكثر لرؤية أولئك النسوة وسماع أهازيجهن وربما مشاركتهن الرقص. عند اكتمال القمر كنت قد عزمت أمري على التسلل الى هناك لأرى وربما أرقص، كان الغبار يعلو الرؤوس بينما يضربن بأرجلهن الحافية الأرض في حركات دائرية، في حلقات متجاورة وهن ينظرن للسماء، غناؤهن أشبه باحتضار القطط البكماء. تلمع عيونهن في الظلام فلم أعد أفرق بينها والمصابيح التي أصبح وهجها يخفت. تشتد الريح فتشاركهن الألواح الخشبية الاحتضار والرقص تقترب السماء جدا منهن أو نحن نصعد للسماء جدا لا أعلم، تحت أقدامنا أنهار من الدم لقرابين اختلطت أرواحها بالغبار الصاعد للسماء. عند الفجر يعم الهدوء البلدة فتتوقف النساء عن الحب. * قاصة سعودية