الهيبة والعزة والشموخ كلها منح عظيمة من رب العالمين لا يمكن اصطناعها أو افتعالها.. وهذا الحضور المهيب العزيز الشامخ للمملكة العربية السعودية عبر تاريخها أنتج عقدة نفسية مزمنة عند بعض المجموعات من المثقفين والإعلاميين العرب لإدراكهم بأن بلدانهم مهما فعلت لا يمكن أن تحظى بهذه المكانة المهيبة بعكس المجموعات (المتعافية) التي ترى في عزة السعودية عزة لهم ولبلادهم وللعرب أجمعين. وهكذا يعاني المصاب بعقدة السعودية من التشنج الدائم فإذا صدرت قرارات سعودية داخلية متشددة دينيا يبدأ بمهاجمة ما يسميه بالتخلف والرجعية، وإذا فعلت العكس واتخذت قرارات داخلية منفتحة وعصرية، يبدأ بالنواح والبكاء على ما يسميه ضياع الإسلام في السعودية، وإذا تمددت إيران وتوسعت وعربدت في ديار بني يعرب، يبدأ بإلقاء اللوم على ما يسميه بالتخاذل السعودي (وكأن السعودية الدولة العربية الوحيدة في هذا العالم)، وما إن تلتفت السعودية لإيران وتحشد الصفوف لمواجهتها، حتى يبدأ بالشكوى من السياسة السعودية التي تريد تفجير المنطقة!، وبالتأكيد لو رأت السعودية في المستقبل أن الخلافات مع إيران قد زالت وقررت مصالحتها لسمعنا شكلا مبتكرا للنواح!... وفي كل القضايا لا يهتم المصاب بعقدة السعودية بحقيقة الموضوع الذي يتحدث عنه قدر اهتمامه بكيفية الوقوف في الطرف المعادي للسعودية، فعلى سبيل المثال: إذا انتعشت السعودية اقتصاديا وبدأت بالصرف على المشاريع والمواطنين وبعض الدول العربية، بدأ يتحدث عن إهدار أموال النفط (وكأنه شريك فيها)، أما إذا تراجعت السعودية اقتصاديا ودخلت مراحل التقشف وفرض الرسوم والضرائب، شرع بتبني معاناة المواطنين السعوديين وكأنهم أوكلوه بالحديث نيابة عنهم، وإذا صمت إعلام السعودية على الإساءات والحملات المغرضة، اتهمه بالضعف وقلة الخبرة، وإن رد الإعلام السعودي بقوة وأعاد الفئران إلى جحورها، بدأ يشتكي من الإسفاف في الطرح، وكأن ما يطرحه هو ليس إسفافا بحق بلد عربي أغرقت أفضاله ديار العرب والمسلمين. والمصاب بعقدة السعودية حين يعبر عن كراهيته المبطنة للشعب السعودي غالبا ما يفاخر بأن أصول أجداده تعود إلى نجد أو الحجاز كي يثبت أصالة معدنه!!.. دون أن يدرك بأن الأصالة جوهرها الوفاء للجذور، أما حين يتحدث عن السعودية وكأنها صحراء قاحلة وليست واحدة من أهم وأحدث بلدان الشرق الأوسط، فلا حاجة لإضاعة الوقت بتذكيره بالإنجازات التنموية التي حققها السعوديون في نصف قرن، خلال رحلتهم العظيمة من البداوة إلى الحداثة، بل يكفي أن تذكره بأن هذه البلاد التي يدعي أنها خاوية ولا تحمل شيئا مما تحمله بلاده من معالم وآثار شرفها الله باحتضان بيته العتيق وقبر المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام. عموما إذا حضرت ساعة المفاخرة فإننا نفخر بأن السعودية لم تخضع يوما لراية مستعمر أو محتل أجنبي، وهذا بفضل من الله ثم بفضل سيوف رجالها الأشداء.. والسعودية لها وقفات تاريخية مشهودة مع كل بلد عربي وإسلامي لا ينكرها إلا الجاحدون وعديمو الوفاء.. وهي عزيزة بإذن الله مهما واجهت من مصاعب.. وسيأكل المصابون بعقدة السعودية أنفسهم وتضيع حياتهم بالحسرات مثلما ضاعت حياة المرضى الذين قبلهم دون أن يتأثر ذلك الجبل الشامخ العظيم الذي يسمى السعودية!.