ياااه.. كيف تغيرت الأمور بهذه السرعة؟ فتصريح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله المطلق حول العباءة النسائية وأنها ليست إلزامية على المرأة المسلمة لأن المقصود هو الستر كان يمكن أن ينتج كما هائلا من النقاشات العبثية التي سرعان ما تتطور إلى حفلة وطنية كبرى للتكفير والتشكيك والتحزب. ولتخيل حجم «الفضاوة» التي كنّا نعيشها أستأذنكم في إعادة نشر مقال سابق في هذا العمود حول ما يمكن أن تتسبب فيه أي دعوة لتغيير لون العباءة فقط «وليس عدم إلزاميتها»، حيث نشر هذا المقال في عام 2010 تحت عنوان «فتنة العباءة الزرقاء».. في مكان مزدحم في جدة شاهدت سيدة في منتصف العمر ترتدي عباءة رمادية اللون، كانت العباءة فضفاضة ولكنها فاتحة اللون وتختلف عن جميع العباءات السوداء، شعرت بأن هذه العباءة هي بداية «الشرر المستطير»، حيث يمكن أن نشاهد في قادم الأيام عباءة زرقاء وأخرى صفراء وثالثة فستقية اللون، وحينها سنحتاج لفتاوى بعدد الألوان الموجودة في هذا العالم كي نحدد موقفنا من كل عباءة على حدة! في السيارة، داهمتني أفكار غريبة، حيث تخيلت صدور فتوى تحرم هذه العباءات الملونة؛ لأنها تلفت الأنظار، ثم صدور فتوى مضادة تؤكد أن الشرط الشرعي لملابس المرأة المسلمة هو أن تكون فضفاضة ولا تبين تفاصيل الجسد وأن اللون غير مهم من الناحية الشرعية، وبين هذه الفتوى وتلك تنشر مليون مقالة في الصحافة تستغرب أو تستنكر أو تسخر أو تحلل الموقف من العباءات الملونة! وبالطبع، سوف يتفرغ خفافيش الإنترنت للتحذير من الخطر الذي يتربص بالأمة، فتلوين العباءات هو بداية للمشروع التغريبي الذي يراد منه إفساد المرأة المسلمة، ثم يستضيف الزميل تركي الدخيل في برنامج إضاءات باحثة تحمل قطعتي قماش إحداهما سوداء وأخرى بيضاء، حيث تؤكد خلال الحوار أن اللون الأسود يمتص أشعة الشمس أكثر من كل الألوان الأخرى ما يعني أنه لا يتناسب مع البلدان الحارة! وفي خضم هذا الجدل، تؤكد هيئة الأمر بالمعروف أنه ليس لديها موقف محدد من ألوان العباءات، ولكنها لن تتساهل على الإطلاق مع مسألة توظيف الألوان في مناسبات مشبوهة، مثل لبس العباءات الحمراء في يوم فلانتاين، بينما يقترح شيخ «وسطي» السماح للنساء بارتداء العباءات ذات الألوان المقاربة للون الأسود، مثل العباءات الزرقاء، فيصدر نادي النصر بيانا يتهم فيه هذا الشيخ بأنه معروف بميوله الهلالية ومعاداته للون الأصفر منذ زمن بعيد! وتدور المطابع لتنتج كتيبا من عشر صفحات عنوانه: «أختي المسلمة سوادك عفتك»، بينما تقدم إحدى مصممات الأزياء السعوديات عرضا في باريس لعباءات بألوان جلد النمر وأخرى مخططة بالأبيض والأسود مثل الحمار الوحشي، وتسمي معرضها هذا: «من وحي الغابة»! أعرف أنكم ستقولون إنني «فاضي».. ولكنني أستحلفكم بالله هل أنا «الفاضي» حقا؟!