في أميركا أو موزمبيق أو تايلند أو حتى في جزر فيجي لا يفرح الناس عادة عند الإعلان عن أي ضرائب جديدة، فالتذمر من الضريبة و(الحلطمة) من آثارها سلوك بشري طبيعي، بل إيجابي في بعض الأحيان، لأنه يشير إلى مواقع أي خلل محتمل هنا أو هناك، لذلك فإن حماسة بعض وسائل الإعلام المحلية لضريبة القيمة المضافة التي تزامنت مع رفع أسعار البنزين والتعامل معها وفق خطاب شبه موحد ملخصه: (يا زين الضرائب زيناه !!) يبدو غير منطقي.. ومن المعلوم أن كل خطاب غير منطقي يكون معدوم التأثير. بالتأكيد من واجب الأجهزة الحكومية المعنية بالضريبة الجديدة أن تشرح مقاصد الحكومة من هذه الضريبة، وتبيان فوائدها للاقتصاد الوطني، ومطالبة المواطنين بترشيد الاستهلاك، ولكن واجب وسائل الإعلام مختلف ولا يمكن أن ينحصر في إعادة كلام الأجهزة الحكومية نفسه، فهي معنية بالتحليل ومتابعة آثار هذه الضرائب على مختلف شرائح المجتمع، ونقل وجهة نظر المواطنين على اختلافها دون تحفظ. صحيح أن الخطاب الشعبوي العاطفي العاجز عن تقديم البدائل قد يصب -بقصد أو دون قصد- لصالح عمليات التشويش الإعلامي التي تواجهها بلادنا في هذه المرحلة ولكن في ذات الوقت فإن غياب الناقد الموضوعي سيكون أول عائق في وجه خطة الإصلاح الاقتصادي التي بدأت خطواتها الأولى للتو ولا يزال أمامها الكثير من المراحل كي تكتمل عملية التحول المعلنة. باختصار.. يجب إعفاء (الحلطمة) من الضريبة، وإلقاء الضوء على آثار هذه الضريبة من مختلف الجوانب، وعدم تردد وسائل الإعلام المحلية عن نقل ردود الفعل المختلفة حول هذه الضريبة، لأن المسألة بالفعل تحتاج إلى المراجعة المستمرة والتصحيح الدائم لتخفيف الآثار على بعض الشرائح، وزيادة الفعالية في بعض الأنشطة، لتحقيق أعلى الفوائد الاقتصادية الممكنة، وإعادة النظر إن لزم الأمر في تطبيق الضريبة على بعض القطاعات التي يتضح أنها تستحق الإعفاء.. وهكذا تكون الأنظمة الضريبية جزءا من عملية بناء طويلة ومرنة، أما غير ذلك فسوف تتحول الضريبة إلى بقرة مقدسة ثقيلة الحركة، بينما نتمناها نحن فرسا جموحا قادرة على القفز باتجاه المستقبل. [email protected]