كنت من المتابعين لما يكتبه جمال خاشقجي على مدى 10 أعوام أو تزيد، وبقدر محاولاتي الاقتناع بما يكتبه بعيداً عن توجهاته الغامضة وتاريخه الجهادي، بقدر يقيني بأنه لن يهدأ حتى يصنع له هالة تتواءم وذاته المتضخمة، ولا يهم نوع هذه الهالة بل المهم أن يثير جلبة حوله! عرف السيد حاشقجي دهاليز الصحافة والإعلام وحفظها جيداً، ومن خلالها مارس دوراً أكبر من كونه صحفياً أو كاتب عمود في صحيفة، فبات يكتب ويصرح بما يفرض انطباعاً عاماً بأهميته، فهو الكاتب وهو المحلل السياسي العميق الذي يوجه ويشرح الحدث، بغض النظر عن صدق تشريحه أو فشله -في الغالب-، فترسخت لدى المتابع فكرة أن جمال خاشقجي متحدث رسمي أو مقرب من صناع القرار لمدة طويلة، حتى صدر تصريح من وزارة الخارجية يفيد بأن خاشقجي لا يمثل السعودية بأي صفة، وما يعبر عنه من آراء تعد شخصية، ولا تمثل مواقف حكومة المملكة العربية السعودية بأي شكل من الأشكال، ومشيراً إلى أنه لا علاقة له بأي جهة حكومية، ومن هنا بدأت «وقفة النفس» من خاشقجي، ولسان حاله «لعبوني ولا ابخرب»، فقد كان يستمد قيمته من جبة الممثل الزائف للوطن، وبعدها بدأ بتأسيس مشروع قناته الفضائية قناة العرب التي أوقفت قبل أن تبدأ، والتي ربما رسخت لديه الإحباط وقناعة «كلما طقيتها طلعت عوجا»، فلم يكن يخفى على حكومتي المملكة والبحرين -مقر القناة- توجهات خاشقجي الإخوانية وتمجيده وولاؤه الكبير للتجربة التركية ومقالاته المناهضة لحكومة السيسي في مصر التي بدأت تنهض آنذاك من تحت أنقاض التجربة الإخوانية المريرة، فتوجهات خاشقجي واضحة وضوح الشمس لمن يعي تجربته وتاريخه غير عابئ بمزاعم الكاتب المستقل الذي لا يشق له غبار. بعد انتقال خاشقجي إلى أمريكا وقراره بالاستقرار هناك، لم تكن تلك الخطوة مجرد مرحلة لرجل يبحث عن الهدوء في هذا العمر، كما ذكر في أحد مقالاته، بل هي مرحلة جديدة لبداية فصل من «الأكشن» الذي يعشقه خاشقجي، فبدأ مغامراً بالوطن ونقد سياسته من عدة منابر تضمر العداء للمملكة، وفي برامج تقوم على إثارة الرأي العام ضدها، ولقد تعمد خاشقجي محاولات مستميتة في تقديم نفسه كناقد هادئ تهمه المملكة واستقرارها، وذلك بإثارة مواضيع ذات صلة بعاطفة الشعوب كالقدس وما أسماهم بسجناء الرأي، حتى دق آخر مسمار في مهادنته للدولة حين أعلن في تغريدة له (محذوفة) على تويتر أنه سيحضر مؤتمرا تدعمه وتموله دولة قطر، ورأس هرمه معارض يقبع في أزقة لندن وأحد عملاء تنظيم الحمدين، وقد عرض هذا الموتمر-مؤتمر القسط- على قناة الجزيرة مباشر قبل عدة أيام، وشارك فيه خاشقجي موجهاً سهامه ضد المملكة وسياستها، وقد استلم كل مشارك فيه «قسطه» المقسوم وتوكل! أخيراً.. خاشقجي وشاكلته لا يمثلون أي أهمية للدولة الآن، واعوجاج مغامراته وفشله في كل مغامرة يقحم نفسه بها، فالعوج سيلازمه في تجربته الجديدة (تجربة المعارض الكول)، فالمملكة بعد التغييرات الكبرى التي طرأت على سياستها الداخلية والخارجية، فالغربان المهاجرة نعيقها يزعجها وحدها حين لا تجد أي صدى لهذا النعيق سوى نشاز لا طائل منه ولا «أثر» له، فالمملكة تتقدم في شتى المجالات وعلى كل المستويات، وفي مقدمتها الحقوق بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص والتي كانت اسطوانة من لا اسطوانة له! باختصار.. خاشقجي «ظاهرة نفعية» لا أكثر! hailahabdulah20@