طفح ملف سيولجدة إلى السطح مع إعلان الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، ليستعيد الأهالي السيناريو الذي مضى عليه أكثر من ثماني سنوات - ذي الحجة 1430ه -، والذي خلف دمارا تركز في أحياء شرقي جدة أبرزها قويزة وفرج المساعد وأم الخير، وراح ضحيته 123 حالة وفاة، و350 إصابة، وتضرر 11929 عقارا، و10321 مركبة، فيما تم إيواء 8879 أسرة و31182 فردا. وعلمت «عكاظ» أن الشرطة الدولية (الإنتربول) ما زالت تلاحق رجل أعمال ورئيسا سابقا لأحد الأندية، إضافة إلى أمين سابق للقبض عليهم وتسليمهم إلى السلطات السعودية، عقب هروبهم من تنفيذ أحكام صدرت بحقهم على خلفية فاجعة سيولجدة. وفيما عمت الفرحة أهالي جدة، لملاحقة الجناة الذين لم يعرف مصيرهم خلال الفترة الماضية، حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من الأسماء التي تم إيقافها بعدما كان الاعتقاد بأنهم كانوا فوق مستوى المحاسبة، ليتفق الجميع على أن مقصلة جديدة تنتظر من يثبت تورطه في قضايا الفساد. وكانت التحقيقات في ملف سيولجدة تفاوتت بين عدة وقائع، وكانت جريمة الرشوة الأكثر حضورا ووصلت مبالغها إلى عشرات الملايين، منها قضية رشوة شهيرة ب60 مليون ريال لتمرير صكوك ومعاملات قيمتها السوقية توازي ملياري ريال في مخططات خارج جدة. وطالت تهم الرشوة وسوء استخدام السلطة والتربح من الوظيفة العامة عددا من المتهمين في أمانة جدة وكتابة العدل وشركة المياه ورجال أعمال ورياضيين وعقاريين. ودلت التحقيقات أن عددا من المتهمين استخدموا حسابات زوجاتهم وأمهاتهم وأقاربهم في عمليات التحويل والإيداع للمبالغ الضخمة، في حين ظل «الكاش» سيد الموقف لكثير من المتهمين، والذين عثرت جهات التحقيق على مبالغ نقدية داخل منازلهم، فيما حولها البعض الآخر إلى حسابات أسرهم من زوجات وأمهات وأبناء، خشية أن تطالهم أي شكوك من قبل الجهات الرقابية كونهم في مواقع وظيفية. وبينت التحقيقات أن كثيرا من المتهمين حرصوا على شراء عقارات مختلفة سواء أراض أو عمائر أو فلل أو شقق تمليك. كتاب عدل تورطوا في غسل صكوك.. ب «الملايين» شكل كتاب عدل وموظفون سابقون -بعضهم مكفوفو اليد عن العمل منذ سنوات- حضورا لافتا في مجريات التحقيقات السابقة التي أجرتها الأجهزة الرقابية إبان كارثة سيولجدة، لتتبع صكوك وحجج استحكامات صدرت في حقبة زمنية مضت بطرق مخالفة في مناطق عدة. وكان من بين حجج الاستحكام إحداها صدرت على مساحة 50 مليون متر مربع ثم استبدل كاتب عدل مساحة الحجة إلى 85 مليون متر مربع بإضافة مساحة وهمية عقب التنسيق مع مسؤولين بارزين في كتابة العدل في جدة ووزارة العدل قبل سنوات عدة وقبل استخدام الحاسب الآلي. وكشفت التحقيقات على خلفية فاجعة سيولجدة تورط عدد من كتاب العدل بينهم رئيس سابق، وكاتب عدل رهن المحاكمة وكاتب عدل محكوم بالسجن سبع سنوات. وبينت اعترافات سابقة لكاتب عدل حصوله في إحدى المرات على رشوة بمليون ريال واستقطع منها مبلغ 150 ألف ريال لترميم مسجد، فضلا عن حصول كاتب عدل آخر على نسب من مخططات تم إفراغها بطرق غير نظامية، وشارك في عمليات الإفراغ موظفون سابقون في إحدى كتابات العدل وأدين بما نسب إليه بأحكام قضائية. كما رصدت جهات رقابية على خلفية فاجعة السيول تنسيقات تمت في حقبة سابقة، بين عدد من منسوبي كتابات عدل بينهم كتاب عدل سابقون ومتقاعدون ومحكومون بالسجن تناوبوا على التلاعب بأراض وصكوك ومخططات في مناطق عدة وبمساحات شاسعة. وكشفت التحقيقات المتوالية تورط رجال أعمال في تقديم مبالغ مقابل تسهيل إفراغات بطرق غير نظامية، وتمت عمليات الإفراغ أحيانا داخل مقار كتابات العدل وأخرى في فنادق وفلل وقصور واستراحات. قانونيان: الرشاوى والتزوير أبرز الملفات المفتوحة توقع عضو النيابة العامة السابق المحامي والموثق في وزارة العدل صالح مسفر الغامدي ل«عكاظ» أن تضم الجرائم المتوقعة التي قد يعاد تدقيقها في قضية سيولجدة، عدة ملفات سابقة تشمل الرشاوى والتزوير وسوء استخدام السلطة والتربح من الوظيفة والتلاعب بصكوك الأراضي والعبث بالأنظمة والتعليمات. وأكد الغامدي أن قضايا الفساد ينتج عنها عادة قضايا غسل أموال وهو ما تكشفه التحقيقات وفي حال ثبوت الجريمة يتقرر مصادرة الأموال المغسولة بحكم قضائي وإبطال بعض الأنشطة أو الأعمال أو منع تنفيذها إذا كانت تعاقدية أو إذا كانت الأنشطة أو الأعمال من شأنها أن تؤثر على قدرة السلطات المختصة في استرداد الأموال الخاضعة للمصادرة. ولفت المحامي الغامدي إلى أن نظام مكافحة غسل الأموال أوضح أن الأموال التي يتقرر مصادرتها تؤول إلى الخزانة العامة وللسلطات المختصة حق التصرف بها بالاحتفاظ أو اقتسامها مع الدول التي تربطها اتفاقات أو معاهدات سارية المفعول. وأوضح المحامي خالد أبو راشد أنه لا حصانة لأي متهم في قضايا الفساد، وتوقع استعادة أموال وعقارات منهوبة لصالح أملاك الدولة متى ما توفرت الأدلة اللازمة التي تدين المتهمين كون الأصل براءة الذمة وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وقال إن إخضاع متهمين متورطين في قضايا فساد بمزيد من التحقيقات سيكشف الكثير، لافتا أن اللجنة المشكلة بأمر ملكي لاجتثات الفساد برئاسة ولي العهد تعكس عزم الدولة في تتبع وتعقب ومحاسبة المتجاوزين.