أقرض رجل صديقاً له مبلغاً من المال، فأراد المقترض كتابة سند بالمبلغ وأنه قرض حسن إلى أجل، فبادره المقترض بقوله: عيب عليك.. وهل يكون بين الأصدقاء سندات وأوراق ؟!، فشكر له صديقه ثقته المفرطة فيه ووعده بسداد القرض في آخر ربوع في صفر! ولما مضت الأيام والشهور ودخل شهر صفر وخرج ودخل في عام آخر وخرج، ضاق الرجل ذرعاً بمماطلة صديقه فشكاه إلى جار له كان من أهل العلم والحكمة، فأنَّبه على عدم أخذ سند يثبت حقه، وقال له قولاً مأثوراً «ما ترك القوم أمراً من أمور الشرع إلا أحوجهم الله إليه»!، فرد عليه الرجل بقوله: ولكنني اسْتَحييت من أخذ سند بالقرض مع أنه عرض السند عليّ فقلت له عيب! وهنا اشتد زجر جاره له وقال: يقول الله عز وجل، وهو أعلم بخلائق خلقه، بوجوب كتابة سند بالدَّين «ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله» وأنت تقول: عيب؟! فانصرف الرجل من مجلس جاره مذموماً مخذولاً. لقد عاصرت مشاكل بين أصدقاء وأقارب وزملاء كان سببها عدم توثيق ما بينهم من حقوق وعقود، «فإذا أنكر خلٌّ خِلَّه» وشجر الخلاف وادعى صاحب الحق بالحق ولم يكن في يده ما يثبته راح يتألم ويشكو «لطوب الأرض» خذلان صديقه أو زميله أو قريبه له، وأنه وثق به وسلمه مبلغاً على سبيل القرض أو مشاركة له في تجارة أو لبناء دار أو لشراء سيارة أو أثاث فلم يأخذ سنداً بالمبلغ الذي سلمه له باعتبار ذلك «عيباً»، فإن الجواب يكون أنه يستاهل ما حصل له لأنه فرط في تطبيق أمر شرعي إلهي جاء لحفظ الحقوق وتوثيقها بين الناس فتركوه وطبقوا عُرفاً بينهم، بزعم أن في توثيق الحقوق بين الأصدقاء والزملاء عيباً لا يغتفر! مثل هذه القضايا التي تشغل المحاكم والقضاة قد تنتهي بطلب اليمين من المدعى عليه فيؤديها بعضهم وهو يعلم بأنها يمين «غموس»، أي تغمس بصاحبها في النار، ولكنه لا يبالي بذلك، أما صاحب الحق الضائع فإنه قد أضاع حقه في الدنيا بتركه أمراً شرعياً، أما حقه في الآخرة فإنه لن يضيع!