قبل ما يقارب ثلاث سنوات، طالبت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) بشكل حازم جميع البنوك في المملكة بتجميد حسابات العمالة غير السعودية التي تزيد تعاملاتها المالية عن مستوى الأجور للمهن التي يعملون بها؛ وإن كان لاحقا سيتم التحايل عليها بأشكال متعددة. تلك المطالبة كانت مؤشرا واضحا على ضخامة تغلغل جريمة التستر في المجتمع.. وإن انعكاساتها السلبية طالت كل مفاصله الحيوية. التستر جريمة اقتصادية ذات ذراع حديدية في (الاقتصاد الخفي)؛ المتضمن الأموال غير المحسوبة في إجمالي الناتج المحلي مما يؤثر سلبا في سياسات الاقتصاد الوطني، ويتسبب في زيادة نسب البطالة، ويروّج للغش التجاري بشكل يصعب احتواؤه.. إضافة إلى إرباكه المباشر لخطط التنمية للدولة. حسب المادة الأولى في نظام التستر: (يعتبر من الأنشطة المحظورة: كل من مكّن غير السعودي من الاستثمار، أو ممارسة أي نشاط محظور عليه ممارسته؛ كالنشاط التجاري أو المهني أو الصناعي أو الاقتصادي أو الزراعي أو أعمال السمسرة أو الوساطة أو الأعمال المصرفية أو البنكية أو التعليمية أو النقل أو غيرها من الأنشطة سواء عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقة أخرى). والجريمة يشترك فيها غير السعودي الذي يقوم بهذه الأعمال. مضافا عليها إذا كان غير السعودي يعمل بالنسبة أو بالقطعة ليدخل أموالا لا يعرف صاحب العمل عن مقدارها سوى مبلغ مقطوع يقبضه نهاية الشهر ثمنا لسكوته. رغم أن الوزارة تمنح (30%) من قيمة الغرامات المحكوم بها - التي قد تصل إلى مليون ريال - لمن يبلغ عن حالة تستر، إلا أن البلاغات ليست كافية للحد من هذه الجريمة. فما تنشره الصحف من أن وزارة التجارة تواصل حملاتها لكشف مخالفات التستر التجاري وتظهر بعض قضايا التستر لأفراد - أو حتى شركات تدار بأيد غير سعودية - في مختلف مناطق المملكة تواجهه التقارير المالية التي تؤكد أن تحويل مليارات الريالات لخارج المملكة من (التستر) لا زال مستمرا في التدفق. في حقيقة الأمر، الوزارة لا تحتاج إلى بلاغات أو دفع (30%) من قيمة الغرامات. في نزهة لموظفي الحملة على: شركات البناء والمقاولات أو السلع الاستهلاكية أو ورش إصلاح السيارات أو البقالات والمغاسل وصالونات الحلاقة ومحلات الأدوات الكهربائية والخردوات.. يمكنهم أن يمسكوا عشوائيا أغلب من يصادفهم في تلك الجهات. هذه أوكار تعج بالتستر المكشوف لا داعي لانتظار البلاغات ولا لدفع مكافآت. التستر فيها واضح ومفضوح، يحتاج إلى حملات منظمة مع تهيئة الحل البديل؛ الذي لا يعني بالضرورة القضاء على العمالة أو أعمالها، ولكن يعني الحد إلى أقصى درجة من جريمة التستر ومكافحتها حفاظا على مصلحة الوطن ومستقبله.