امتدت ظاهرة التستر التجاري الى قطاع الأسواق التجارية في المملكة بشتى أنواعها ونشاطاتها، تحت مسمى “التقبيل” رغم ما يترتب عليها من مخاطر اقتصادية واجتماعية وأمنية يؤكدها المختصون. والسبب وراء اقدام بعض المواطنين على هذه الخطوة هو كما يقولون: «خلّيني أقبّل المحل على وافد وأريّح راسي بدل ما يضيّقوني بعدم الإخلاص في العمل». وحددت وزارة التجارة إزاء تفشي الظاهرة بشكل متزايد وحددت مبالغ مادية لمن يبلغ عن أن أي حالة تستر ومع ذلك مازالت هناك العديد من الحالات التى لا تستطيع ضبطها إلا عند اختلاف الطرفين. والسؤال: كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الاقتصاد القومي خاصة إذا علمنا ان حجم التحويلات السنوية للعمالة الوافدة يصل إلى نحو 130 مليار ريال سنويا. * اثار التستر في البداية يؤكد عضو اللجنة المالية بمجلس الشورى الدكتور محمد المطلق ان مشكلة التستر مشكلة مستمرة ودبت منذ فترة طويلة في أواسط الاقتصاد والأسواق السعودية في شتى المجالات التجارية والخدمية؛ لذا فهي ظاهرة خطيرة تمكّن الوافد من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه، أو بالاشتراك مع غيره، محظور عليه ممارسته أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات ممارسته، ويعتبر المواطن متسترًا في حالة تمكين الوافد من استخدام اسمه أو ترخيصه أو السجل التجاري لممارسة النشاط التجاري، كما يعتبر متسترًا كل أجنبي حاصل على ترخيص استثمار أجنبي وقام بتمكين وافد آخر من العمل لحسابه خلافًا لنظام استثمار رأس المال الأجنبي حيث يؤدي التستر إلى تهرب الوافد من الرسوم التي يتطلبها نظام الاستثمار الأجنبي من خلال عقد صوري بالراتب والميزات، وعليه فإن كشف مثل هذه القضايا تكتنفه صعوبات. وقال المطلق ان هناك جملة من الآثار المترتبة على المخالفين بمزاولة التستر التجاري في مقدمتها الإضرار بالاقتصاد الوطني المستمر باستنزاف أموال وخيرات البلد للخارج، حيث وصل إجمالى التحويلات المالية 100مليار ريال سنويًّا بالطرق الرسمية والنظامية عن طريق البنوك بالإضافة الى زيادة 30% عن طريق الأشخاص لتصل بذلك مجمل التحويلات الى 130مليار ريال سنويًّا. والمخاطر الأمنية في حركة دخول وخروج السلع المقلدة وتزايد أعداد العمالة الوافدة ممّا يؤثر في البنية الديموغرافية للمملكة. وزيادة عدد المخالفين ومزاحمة المواطنين في اعمالهم مما يقلص فرص العمل المتاحة أمام الشباب حتى وصل الامر الى ان بعض الاجانب اصبح يجلب اهله واقاربه للعمل معه وتحت ادارته ما يعني احتكار الأجانب لأغلب الأنشطة التجارية. وأضاف المطلق: تختلف المحلات باختلاف طبيعتها وربما نجد ان المواطنين طرف مشترك ومفتعل في بعض التسترات بإعراضهم عن مزاولة العمل في نشاطات عدة التي وصل نسبة تشغيل الاجانب بها 100% كمحلات الحلاقة والسوبر ماركات والمطاعم ومجمعات الورش. * 20 لجنة من جانبة قال خالد قمقمجي مدير فرع وزارة التجارة في المدينةالمنورة ان التستر التجاري ظاهرة معقدة يصعب الضبط فيها إلاّ في حال خلاف تم بين الطرفين، أمّا المتستر او المتستر عليه، وهذا هو السبب في تفشيها بشكل مستمر وتابع: يتولى تطبيق أحكام النظام حاليًّا اكثر من 20 لجنة تم تشكيلها في مختلف مناطق المملكة من ممثلين عن وزارت التجارة والداخلية والمالية والاقتصاد الوطني، وقد حصر النظام وقواعده التنفيذية مهام هذه اللجان في البحث عن حالات التستر وجمع الأدلة وتقييمها والتفيش والتحري عن المخالفات وتلقي البلاغات لضبط المخالفين ليتم رفعها الى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق في مخالفة النظام ومن ثم يختص ديوان المظالم بالنظر والفصل في مخالفات النظام. وقال قمقمجي ان هناك عقوبات للمخالفين بنظام التستر الصادر بالمرسوم الملكي لنظام مكافحة التستر: إضافة الى الغرامات المادية التي قد تصل إلى 100ألف ريال وشطب السجل التجاري المتعلق بالنشاط والمحل الذي وقعت فيه المخالفة وإلغاء التراخيص الصادرة لمحل المخالفة ومنع المتستر من مزاولة النشاط نفسه في محل المخالفة لمدة لا تزيد عن 5 سنوات، بالإضافة الى منعه من فتح محلات جديدة لنفس النشاط لنفس المدة. وابعاد غير السعودي من المملكة. ويشير قمقمجي إلى ان وزارة التجارة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة تقوم بالتوعية المستمرة بمضار التستر وتبيان مخالفة للانظمة المعمول بها والعقوبات التي ستطبق بحقه، بالاضافة الى منح مكافآت لكل من يساهم في القبض على التستر لا تزيد عن 30% من الغرامات المادية المحكوم بها اذا قدم دليلا يصلح للاستناد عليه في حال كونه غير متستر أو متسترًا عليه، وفي حال تعداد المبلغين توزع المكافأة بالتساوي. وأوضح قمقمجي انه تم ضبط أكثر من 40 حالة تستر على مستوى منطقة المدينة لنشاطات مختلفة من بداية شهر رمضان الماضي حتى بداية العام الحالي، وتم رفعها من قبل الوزارة الى هيئة التحقيق والادّعاء العام، وكل ذلك بسبب جهود الجهات المختصة بمساعدة من الجهات الامنية والمواطنين. حاجز الخوف ويقول علوي محمد عامل في مغسلة لا أجد العزم من المواطنين على تحمل مشاق المحل من ايجار والصادر والوارد، لذلك هناك حالات كثيرة نعرفها شخصيًّا وهناك مواطنون فتحوا محلات سوبرماركات ومغاسل وعمل فيها وافدون وبعد فترة من الزمن ابدى اصحابها رغبتهم في تقبيلها على الوافدين بمقابل من 5-6 آلاف ريال شهريًّا دون الدخول في متاهات المكسب والخسارة. * الخجل من المهنة ويقول ياسر فضل «بنشري» ان سوء التفاهم فيما بين الطرفين هو السبب في عدم استمرار صاحب المحل المواصلة بسبب أن الشغله لاهلها، فنحن توارثنا المهنة من الاباء والاجداد الذين تقبلوا العمل فى المحلات وعملنا بجانبهم، اما المواطنون فهم عازفون عن العمل في تلك المهن بسبب الخجل، او الظن بأن الارباح قليلة وهي في حقيقة الامر اكثر فائدة من بعض الوظائف. * السوق لأهلة ويقول محمد صالح «سوداني من ام سعودية» بطبيعة الحال فإن الشخص عندما يكدح ويشقى لنفسه ولحسابه الخاص يختلف عنه حينما يعمل بمرتب محدود ولا يهمه الربح لذلك تجد الكثير من الوافدين يتمرس على المهنة ويبني علاقاته بعملاء معينين ويحقق زيادة فى المبيعات، وبعدها يطمع في ان يتملك المحل بعد ان كسب العملاء. ويضيف: حسب خبرتي ان السوق التجاري يحتاج لخبرة طويلة، واشراف مباشر من صاحب المحل لمتابعة المشتريات والمبيعات. وللأسف نجد ان اصحاب المحلات من السعوديين يوكلون مشرفًا على المحل من الوافدين الذين قلّما تجدهم مخلصين وحريصين على مصلحة المحل. ويوافقه في هذا الرأي المواطن منصور الهذلي ويقول: «خل السوق لأهله فهم المتحكمون في بيع الجملة والتجزئة. خليني أقبّل المحل على وافد وأريح راسي بدل ما يضيقوني بعدم الاخلاص في العمل». * ضعف المراقبة ويقول وليد العوفي «مواطن» يجب على التاجر ان يتابع محلاته بنفسه وان يديرها بنفسه حتى يعرف ما هي الفرص المتاحة امامه وما هي التحديات التي تواجهة ليحتاط. وتابع: اعتقد ان عدم مراقبة صاحب المحل بنفسه هو السبب في التقبيل، واستنكر اطلاق لفظ «التستر» وقال في حقيقة الامر هو مجرد (تقبيل للمحل) فقط ليس تسترًا كما يظن الاخرون، فكيف يُقال تسترًا وصاحب المحل يحصل على مبلغ مادي كل شهر.