لم يكن الشاعر محمود سامي البارودي يعلم أن شعره الخيالي عن الصداقة سيتحقق في باكستان على أيدي صديقين تجاوز عمراهما 80 عاما، بعدما جادت قريحته قائلا: (لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ.. بلِ الصديقُ الذي تزكو شمائلهُ/ إنْ رابكَ الدهرُ لمْ تفشلْ عزائمهُ.. أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسائِلُهُ). فقد مضت سنوات عمريهما ووهن عظماهما وضعفت قواهما إلا أن إعجاز دلالي أحمد رفض ألا يحج سوى برفقة صديق طفولته وحياته أحمد دلو راج، مؤجلا فكرة الحج لحين اكتمال الأموال لدى صديقه إلى أن تجاوز عمراهما 80 عاما، عندها حلت الفرحة بهما، بعد أن أخبره راج أن أموال حملة الحج اكتملت وبإمكانهما الحج وإتمام الركن الخامس للإسلام. بتلك الكلمات تحدث إعجاز دلالي الذي رصدته «عكاظ» يقود صديقه راج في مشعر منى بعد فراغهما من رمي الجمرات، فاستوقفناه لتجاذب أطراف الحديث، فطلبا السير معهما لهذا الغرض، وبدأ إعجاز حديثه قائلا: «هذا صديق عمري راج الذي فقد بصره، وكان يرغب في أداء فريضة الحج منذ سنوات طويلة، إلا أن ضيق ذات يده حال دون ذلك، رغم أنني كنت امتلك مبلغا يكفيني للسفر والحج، إلا أنني آثرت انتظاره نحو 25 عاما، حتى يوفر المال اللازم، لاصطحبه في هذه الرحلة الإيمانية، لمعرفتي بأنه ضرير ولا يمكن أن يحج بمفرده، ولله الحمد وفر المبلغ المطلوب، ومن ثم توجهنا للحج سويا». والتقط أحمد راج أطراف الحديث، مقدما شكره لصديقه الذي ضحى بسني عمره وقوته وهو ينتظره كي يسافر معه للعمرة والحج: «رغم مضي أكثر من 25 عاما إلا أنه ظل صديقا وفيا لي ولم تغيره الأيام، وانتظرني حتى نجحت في جمع ما يكفيني للحج، وكان عند وعده بأن يسافر معي، ونحمد الله أن مكنا أن نكون في المشاعر الآن، فهو عيني التي أرى بها، وقوتي التي أتوسد عليها، وقد دعوت له كثيرا أن يجعل ما يفعله معي في موازين حسناته، ولن أنسى معروفه معي فيما بقي من عمري».