حنان القعود هل جربتم الاستماع لهسيس الحقول وموسيقى حشائشها دون أن تزوروها؟ أنا جربت.. هل جربتم السفر عبر القرون ومصافحة أساطير التاريخ؟ أنا جربت.. جربت هذا وأكثر وأنا أتوسد غيمة الخيال محتضنة لحروف كتاب. جربتها بصحبة خير جليس، وأعظم رفيق. جربتها وأنا (أقرأ). ففي القراءة ارتشفت لذة الصحبة دون الحاجة لرفقة بشر. ومعها سافرت دون أن أبرح جدران غرفتي. ومع كل كتاب صقلت مفرداتي وأعدت تأهيل حياتي، فكم ساعدتني -القراءة- على تقويم عثراتي، ومعالجة نكباتي أيا كان مجال قراءتي. سواء تقلبت في بحور الشعر وألوان الأدب، أم سافرت في أسطول السير وتاريخ الأمم.. أو في فك طلاسم اللغة، أو البحث عن سكون الذات وتطويرها في عظمة هدي نبينا وسماحة ديننا. أصدقكم القول هي "غذاء" الروح والعقل، ووحدها تروي الشغف. وكم أتعجب حين أرى من حولي لا يقرؤون، وحين أدعوهم إليها يتنافرون بحجة الملل! كيف نكون ذا ونحن "أمة اقرأ"! بالتأكيد هناك سوء تقدير.. لم تكتشفوا ذواتكم بعد.. أكاد أجزم أن في داخل كل منا شغف للقراءة وولع لالتهام صفحات كتاب، لكنكم ما زلتم تجهلون إلى أي كتاب تميلون. رحلة البحث عن الذائقة بين الكتب شاقة، لكنها ممتعة لمن يعشق تنوير روحه وتدليل قريحته. اقرؤوا الكثير وحينها ستدركون إلى أي منها تنتمون. وأتعهد لكم بعد إدمانها أن يتولد لديكم أحد أمرين: إن وجدت الموهبة فسيولد في داخلكم كاتب، شاعر، أو أديب. وبدونها حتما ستفوز بناقد ذي ذائقة حادة. وفي كلتيها "أنت مثقف"، ولكن عليك أن تجيد الاختيار بذكاء، ففي المكتبات الغث والسمين وعليك بحسن الانتقاء. قبل قراءة أي كتاب ابحث عن خلفية المؤلف، فكره، توجهاته. فمنهم من يتفنن في دس السم بالعسل، ومنهم من يستميت لجذب القارئ لزاوية فكره وصبغه بتوجهاته رغما عنه. إذًا: ماذا تنتظر؟ ماذا تنتظرين؟ اجعلوا البداية بالقرآن الكريم، وليست أيما قراءة بل بتدبر لكل ما فيه من بيان وإعجاز، ثم اتبعوه بما شئتم من لآلئ ودرر، ولا تنسوا دوما "وخير جليس في الزمان كتاب".